علي الخزيم
منذ أسابيع مضت رصد مواطنٌ خبازاً يقف أمام تنّورة، وقبل أن يضع الرقاقة بالنار يُتْحفها ببصقة من فيه بعناية واهتمام ليضمن بلوغ مقصده ومراده، وكأنَّه مُسْتَأمن على إلصاقها بالرغيف، أو أنها جزء من المهمة ولا تكتمل الأمانة وتبرأ الذمة إلا بها، وجاء بالأخبار أنه قد تم ضبطه متلبساً، ولا أعلم إن كان النظام يقضي بالاستغناء عنه بحكم أن البلد ليست مضطرة لخبزه المبلل بالبصاق، ثم هل جاء (خباز التفلة) هذا بتأشيرة خباز، وهل تَضَمّن العقد التفال والبصق بالعجين؟ وما سر هذه التفلة: هل هي عن العين والحسد أم أنها من قبيل الرُّقية الشرعية؟ إن كان الأمر كذلك فإن الرجل يملك مهارات خارقة ومَلَكَات عبقرية، وقد تكون لديه كرامات خاصة (مع أن زمن الكرامات قد انتهى بالتأكيد)، وبالتالي يكون من استقدمه - والحال كذلك - قد أسدى للبلد خدمة جليلة، حيث أتاح لكل من تذوّق خبزه الاستشفاء ببصاقه والتزود من كراماته! وإن لم يكن الأمر كما وُصِف؛ فلماذا تُسْتَجْلب هذه العينات من البشر وهذه المستويات من العمالة متدنية المهارات والخبرات، لا بل إنهم مع فقرهم المهني يقترفون كل الممنوعات والمحرمات، ويمارسون الأحقاد وكأننا جلبناهم قسراً من بلادهم وسخّرناهم سُخرة للعمل بلا مقابل، وإن المرء ليعجب كيف يقبل مواطن يشعر بوطنيته باستقدام مثل هؤلاء للعبث في بلادنا لمجرد أن يحصل من ورائهم على بضع دريهمات آخر كل شهر أو كل فصل من السنة، ألم يستشعر الدناءة بفعله وانتقاص حق الوطن وظلمه لأخيه المواطن جراء هذه الممارسات غير المنطقية؟ ثم إن تعدد أنواع الاستقدام لهذه الفئات العُمّالية المتدنية (حتى بأخلاقها) من شأنه تعميم ونشر الفساد متعدد الجوانب؛ فهذا يستقدم خبازاً قذراً حاقداً ينشر أمراضه بين المواطنين، وذاك يجلب سبّاكاً مزوراً يتحول إلى لص في الليل وبائع سواك أوقات الصلوات عند المساجد، وهلمّ جرّاً، وكأن البلد تفتقر للخبرات الدولية في تسويق أعواد السواك والولاّعات والسّبَح، كيف يمكن للعقل استيعاب مسألة أننا نستقدم آلاف العمال ممَّن لفظتهم مِهَن وأسواق بلادهم على رداءتها ثم نبثّهم كالجراد في مدننا وقرانا ليمارسوا كل ممنوع ورذيلة، ثم نأخذ بالشكوى منهم ومن أفعالهم المشينة؟! تكررت الأمثلة والحوادث المشابهة والقصص الملفتة المحزنة، ونكتفي بنشرها على صفحات الجرائد والتحذير من الفاعلين، هذا في نظري لا يكفي فلابد من مراجعة الأنظمة وسن قواين وعقوبات من شأنها ردع هؤلاء المستهترين، فهل من المنطق (مثلاً) أن تُصبّحنا إحدى الأمانات كل يوم بخبر مصادرة كميات من الفواكه والخضار الفاسدة من باعة جائلين، والكشف عن مخازن لها في خرائب مهجورة دون الإعلان عن أي عقوبات صارمة تنهي القضية، وتُبيّن لنا ما سر الباعة الجائلين، أليس لهم أعمال استقدموا من أجلها، ولهم كفلاء مسئولون عنهم، أين كل ذلك من عين الرقيب وبنود العقوبات، وعموم الأنظمة ذات الصلة بتنظيم شأن العمالة، وما لهم وما عليهم؟ (اعصفوا بهم ولن تندموا).