د. أحمد الفراج
في مقال غريب، ومتشنج، بعد تفجير مسجد طوارئ عسير، تحمّس أحد القومجية السعوديين، وكتب مقالاً كشف فيه عن معلومة خطيرة جداً، مفادها أنّ مآسي الإرهاب التي تضرب بلادنا، والتحريض على الفتنة والفوضى، ومخالفة توجهات الدولة السياسية، ومناكفة الدولة في مشاريعها التنموية، ومحاولة تعطيلها، والتظاهر لإطلاق السجناء الخطرين، كل ذلك سببه، حسب أخينا الكاتب، هو ثلة من عملاء الصهاينة السعوديين!!، وهو يقصد المثقفين السعوديين، الذين ينتقدون التطرُّف الديني والإرهاب!!، ويضيف أنّ هؤلاء المثقفين تمت زراعتهم، وصنعوا بمهارة كعملاء!!، ولم يتم اختيارهم اعتباطاً، حسب الكاتب، بل تم ذلك بعد أن تمت دراسة نفسياتهم، وأفكارهم، وميولهم، وتاريخهم الأخلاقي !!، وذلك من أجل التخطيط لكل ما يجري في مملكتنا الحبيبة، وكان الأديب الأريب متحمساً جداً، حتى توقعت أنه سيذكر أسماء هؤلاء العملاء الصهاينة، ومن الذي اختارهم، ودرّبهم، ومن ثم زرعهم في أرض التوحيد، خصوصاً وأنه أكد على أنّ من الواجب فضحهم وكشفهم وتعريتهم، طالما أنّ إعلامنا يحتضن بعضهم !!، ولكنه لم يفعل، ربما إشفاقاً على زملائه المثقفين، أو ربما أنه ينوي العمل على مناصحتهم، قبل أن يستعجل، ويلحق بهم أقصى الأضرار!! .
لقد حلّقت في عنان السماء، وركبت البحر، وخالطت فئاماً من البشر، في رحلة أعتز بكل تفاصيلها، ولكنني لم أجد أكثر تهافتاً وإفلاساً، وأسوأ طرحاً، من خطاب بقايا القومجية واليسار العربي، ومعهم الحزبيون من جماعات الإسلام السياسي، ففي نظرهم أنّ كل دول الدنيا المتقدمة تسخّر طاقاتها لحربنا، وتخطط لإضعافنا، وأنّ وكالة ناسا تتجسس علينا، وأنّ ايباك لا همّ لها إلا البحث عن شباب سعوديين، من أجل تجنيدهم ليكونوا عملاء للصهيونية العالمية، كما يرى هذا الكاتب العزيز، والذي يردد هذه الإسطوانة منذ أكثر من أربعة عقود، وهو في هذا لا يبعد في تنظيره عن الحزبي الإخواني، الذي «بشّر» بسقوط الولايات المتحدة قريباً جداً!!، وطالب بأن يستعد تنظيم الإخوان المسلمين ليحل محلها!!، ويحكم العالم، وذلك لكيلا يكون هناك فراغ سياسي في هذا العالم!!.
أغرب ما في طرح هذا الأخ الفاضل هو اتهام عملاء الصهاينة السعوديين بدعم تنظيم داعش، وذلك خدمة للصهيونية العالمية، لأنها هي التي زرعت تنظيم داعش !!، وسأقدم هنا جائزة فاخرة للكاتب، إذا أبلغنا عن اسم عميل صهيوني سعودي واحد يدعم داعش، لأنه يستحيل، حسب علمي، أن يدعم أي عميل صهيوني - من التغريبيين والعلمانيين والليبراليين، الذين يكرههم أخونا الكاتب، رغم سكناه في ديار الغرب لعقود طويلة - أن يدعم داعش!!، ولكن ربما أنّ لدى الكاتب وثائق ستجعلنا نعيد حساباتنا كلها!!، وإذا أردت أن تتعرف أخي القارئ على بقايا اليسار والقومجية، فابحث دوماً عن من يبرر للإرهاب، بحجة أنه ردة فعل على الإجرام الصهيوني بالسلاح الغربي!!، وكذلك ابحث عن مفردات، من شاكلة «الصهيونية العالمية»، و»الماسونية»، فهذه عبارات مقدسة عند اليسار، منذ التثوير العربي العسكري، قبل ستة عقود، ونقول أخيراً: (ليت الكاتب الموقر يتحفنا بعملية إرهابية واحدة، أو موقوف أمني واحد من فئة «عملاء الصهاينة»، وسنكون له من الشاكرين)!!.