د. خيرية السقاف
مع أن وجها من المرآة مظلما، إلا أن الوجه الآخر منها وضيئا براقا أخضرَ...
تلك مرآة وجه الوطن الجميل، الذي يقلنا ويظلنا، يأوينا ويمدنا، ينبض بنا ونحياه قلوبا عامرة به فينا..
فكل العابثين بسواد أفعالهم لا يستطيعون أن يطمسوا جمال وجهه الحقيقي بكل الذين فيه يفعلون، وينجحون، وينجزون، ويتراكضون نحو العطاء، والفناء له، ومن أجله، لأنفسهم وله لأنه هو هُم كلهم هذا الوطن..
أولئك الذين وقف آباؤهم عند أبواب البيت مودعيهم ليكونوا أعضاءً في جيشه، ولحراسته، وأمنه، الذين تخفق لهم صدور الأمهات دعاء وحدبا، وتلهج من أجلهم ألسنة الإخوة اعتزازا وفخرا، والأجداد في البيوت العامرة ثقة ورحمة، كون هذه البيوت مشاركة بهم، بأبنائها في حماية الوطن، والدفاع عنه حاجة عسرة، إذ هم جنوده الخلص، وأمناؤه الصادقون، وشهداؤه المؤثرون من يتدافعون نحو ثغور حصونه، وعند صدور منافذه فداءً..
هؤلاء من يفخر بهم كل من يجدهم على أهبة الدفاع نسورا، وقلوبا، وعيونا، وزنودا، ودروعا..
وأولئك الذين ودعهم آباؤهم لمظان العلم يكتسبون، ومراكز البحث ينقبون، و من أنهار الاستزادة يعبُّـون، تسهر الأمهات في قلق الشوق، ويتابع الأب في ثقة العودة، أولئك من ينتظرهم الوطن ليصبوا في جداوله ما اكتسبوا، وليمدوا روافده بما يضيفون، وليغيروا من ضيق الباب في خبراته ,لسعة الجواب في إنجازهم، بالإضافة، والتغيير الأمثل نحو حضارة هذا الوطن وتقدمه،..!!
أولئك من يفخر بهم كل من يجدهم في ساحات العلم مخلصين، والعمل مصابيح مضيئين، وعقولا مفكرين، وفكرا مجددين، ومعرفة مزيدين..
في الراهن كم نفخر بالبواسل الذين يقدمون أرواحهم للوطن،..
وكم نعتز بالواعين الذين يتسابقون لسدة النجاح، والظفر، واقتعاد مراكز متقدمة في مؤسسات عالمية تقنية، وإعلامية، وطبية، وهندسية لا تغفلها مؤشرات البحث، ولا تغيب عنها وسائل الرصد..
كم فخرنا بمن احتل مكانا في جامعات العالم المتقدمة يُـدرِّس بعد أن كان يدرس، ويضيف بعد أن كان ينهل، وينتج بعد أن كان يكتسب، وينجز بعد أن كان يستفيد..؟
وكم فعلنا بغيرهم في مؤسسات التقانة، وشركات التواصل ممن يحتل منهم هؤلاء أبناء هذا الوطن مناصب رفيعة يتقن المهارة، ويوسع المنجز..؟
إن المرآة لا تُظلِم، ولا تتغافل..
ولسوف تقضي الخفافيش في أوكارها بائسة ذليلة،..
ولسوف تحلق النسور في سمائه معتلية عزيزة،
هذا الوطن، هو ذا أبناؤه الفالحين..
ولعلي في آت من الحروف إن شاء الله تعالى سألضم جُملَ عُقْــدٍ وضيئةً بنماذج منهم تسر الناظرين، والقارئين، والسامعين،..
بورك وطنٌ أهله كالسوار من حوله، كما هو لهم..
فحرِّضوا شغفَ البوصلةِ في صدور الناشئة نحو طريق الوطن فيها..
فلا أندى على قلوبهم منه، ولا أعذب من طعمٍ في ألسنتهم من حروفه.