رجاء العتيبي
لم يعد بالإمكان إخفاء شخصيتك أو بعبارة أدق (طبيعتك)، ففي زمن (الصورة) لن تستطيع إلا أن تكون وجها واحدا مكشوفا للكل، كما أنت (الأنا) الحقيقية، وليس الشخصية التي تروجها للآخرين، انتهى عصر لبس الأقنعة.
في تويتر على سبيل المثال: عرفنا الإرهابي، وعرفنا المحرض، وعرفنا الفنان، وعرفنا الإعلامي، وعرفنا، السياسي، وعرفنا المعارض، وعرفنا الإخواني، وعرفنا الوطني، وعرفنا أصحاب الفتن، وعرفنا المتلون، وعرفنا الأقنعة.
بمجرد أن تبحث في تغريدات صاحب الحساب تعرف من هو، خلال دقائق معدودة، لم يعد الأمر يحتاج أن: تسافر معه، أو تتعامل معه مالياً، أو تنتظر موقفاً يبين لك من هو، قنوات التواصل الاجتماعي تختصر لك الزمن، إنها سيرة ذاتية حقيقية مهما حاول المغرد أن يخفي شيئا.
تويتر، وسناب تشات، وانستقرام، على سبيل المثال، لا يسمحون لك أن تكون (منافقا) أو (أبو وجهين) أو (تلعب على الحبلين)، البيئة التقنية لهذه الأيقونات تقول من أنت كما أنت، وإذا حاولت أن تواري شيئاً، أو تخفي أمراً ما أو تظهر بألف وجه، تكشف للعالم أنك (متعدد الأنظمة) فتفقد احترامك ويتركك متابعوك وتقل مكاسبك، ولا تجد من يعمل لك (ريتويت) وهذا منتهى البؤس لإنسان هذا العصر.
في زمن الصورة تظهر كما أنت، رضي من رضي، وغضب من غضب، وهذه إرهاصات لأن يترك الناس شأن بعض، كما هو الحال في بلاد الغرب، لا يتدخل أحد في سلوك وأفعال وأقوال أحد، فكل إنسان يعمل على شاكلته.
قنوات التواصل الاجتماعي تمهد للنزعة الفردية، فكل شخص يمثل نفسه، ويظهر كما هو، ويقول ما يعتقد أنه صواب، فلا ثمة داع لمراقبة البشر، وإحصاء زلاتهم، وتصيد أخطائهم، إنها المكان الذي تذهب إليه لتشاهِد وتُشاهد، وأكثر من ذلك سيشاهدك الكل شخص (قديم).
وإن رحت تراقب الناس في تويتر مثلا، فسينطبق على المثل القائل: « من راقب الناس مات هما». وبدقة متناهية، دع الخلق للخالق، واظهر في تويتر كما أنت، وكما تحب أن يراك الناس عليه، ففي زمن الصورة وزمن تحطم الأقنعة، سيكون (واثق الخطوة يمشي ملِكا).