رجاء العتيبي
لا أظن أن كلمة (وداع) تكفي لرجل نحبه كثيراً أياً كانت تفاصيل الكلمة، ولا نظن أن جملة (رحمه الله) ستكون نهاية دعائنا له، سنظل ندعو وندعو وسيستمر الدعاء له بالمغفرة والرحمة والرضوان جيلاً بعد جيل، سيبقى اسم سعود الفيصل حاضراً في أذهاننا مدى الحياة، سيظل رمزاً للدبلوماسية ومدرسة لا تضاهيها مدرسة.
إذا غضب سعود الفيصل غضب العالم هكذا وصفوه، وإذا تحالف اجتمع حول طاولته كل القوم هكذا هو، وإذا تحدث استمعت له الأمم المتحدة بإنصات هكذا حدث، وإذا قال فعل هكذا يحصل دائماً. هذه مبررات الفقد التي عمّت البلاد والعالم حينما بثت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية خبر وفاته.
قدَّم سعود الفيصل رسالة المملكة إلى العالم بكل اقتدار، قال عنا ما نريد أن نقول، كان دبلوماسياً محنكاً، ذا حضور مؤثّر وثقل كبير، وقراراته إستراتيجية، لم يتثاقل عن رحلة دولية، ولم يتأخر عن اجتماع، وهذا ما يبرر غيابه المؤلم.
سعود الفيصل يعرف التحركات السياسية التي تدور من حولنا، يعرف تاريخها ومنطلقاتها وأهدافها وقادتها وأبعادها، يعرف العدو من الصديق بشكل دقيق جداً، ويعرف الصديق الذي سيصبح عدواً، والعدو الذي سيصبح صديقاً، وبإزاء ذلك يعرف كيف (يدير الممكن) وسط هذه التجاذبات السياسية والأفكار المتناقضة، ما يجعله وفق هذه المهارات سياسياً تحزن البلاد برمتها عندما يغادر دنيانا.
إذا وصف سعود الفيصل التكتلات السياسية وصفها كما هي، وإذا وصف مستقبلها يصدق، وإذا وقف مع إحداها قويت، وإذا هجرها ضعفت، إنه رجل دولة، ورجل عن دولة، ورجل في دولة، فلماذا لا نبكي ساعة وفاته، في وقت تفرح فيه مناطق الأعداء فرحاً شديداً كدليل على اتساع دائرة تأثيره.
لا يتضمن ملف سعود الفيصل تخبطات سياسية ولا أهواء ولا تحزبات، لم يسعر حرباً، ولم يعقد مشكلة، ولم يتحالف مع الطغاة، بقدر ما يتضمن سياسة صادقة تعمل من أجل الإنسان، وتطفئ بؤر الصراعات.
غادر سعود الفيصل دنيانا نظيفاً مطمئناً محبوباً بعد 40 عاماً من الدبلوماسية، بعد عقود من النجاحات، بعد أن كفى ووفى، فحقه علينا دعاء لا ينقطع: إلى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ .