الدوسري الذي رحل بجسده وبقي في القلوب ">
الجزيرة - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
كان الوداع الأخير صورة مؤثرة صادقة اكتساها الحزن وبعثها الألم البالغ الذي يعتصر القلوب لمن يستحق أن تذرف الدموع الصادقة على فراقه الذي لا يُطاق ولا يوازي أصداؤه إلا حجم تميّز الإعلامي المتمكن سعود الدوسري -رحمه الله - بكل رقي تعاطيه مع الآخر، ونبله ونقاء سريرته وثقافته العالية، ولماحيته وشفافيته وسرعة بديهته المعهودة
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
إن كل ما أُشِيرَ إليه - غيض من فيض - وبعضٌ من توثيق حب الناس المشهور الموثق لشخص مؤثر انتقل إلى بارئه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ولم يحبه الناس لغرض من أغراض الدنيا الفانية ولكن بإذن الله ومشيئته - ولا نزكي على الله أحداً - أن كل هذا الحب والتفاعل من الناس على كل الأصعدة علامة من علامات حب الله للراحل الغالي تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أحَبَّ الله تعالى العَبْدَ، نادَى جِبْرِيلَ، إنَّ الله تعالى يُحبُّ فُلاناً، فَأَحْبِبهْ فَيُحِبْهُ جِبرِيلُ، فَيُنَادي في أهلِ السَّمَاءِ: إنَّ الله يُحِبُّ فُلاناً، فَأحِبّوهُ، فَيُحِبُّه أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبوُلُ في الأرضِ) متفق عليه.
ومن تابع تجربة سعود الدوسري -رحمه الله - منذ بداياته ومحطات نجاحاته المتلاحقة في المجال الإعلامي يُدرك يقيناً أن هذا المتميز الموهوب منذ خطواته الأولى في الإعلام كان لسان حال نجاحه الإعلامي - كحق مستحق - فيما بعد - من البداية هو قول الشاعر أبو تمام:
إنَّ الهِلاَلَ إذَا رَأَيْتَ نُمُوّهُ
أَيْقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرَ بَدْراً كَامِلاَ
وإذا ما حصرنا الطرح على الشعر الفصيح وصنوه الشعبي فإن الراصد لإنجازات الزميل الإعلامي سعود الدوسري رحمه الله يدرك أن له قصب السبق في استضافة قامات الشعر الباسقة، مثل استضافته للأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عبر برنامجه الإذاعي الشهير - ليلة خميس - عبر إذاعة M.B.C قبل ما يربو على عشرين عاماً، بأسلوب يحمل بصمة المتميز الراحل بعيداً عن الطرح التقليدي النمطي، كذلك قدم لأول مرة احتراماً لذكرى ومكانة د. غازي القصيبي - رحمه الله - الأدبية كشاعر كبير حلقة خاصة عبر روتانا خليجية بلمسة وفاء ليست غريبة على من يعرف - جوهر وتكوين ورؤية - المتميز سعود الدوسري رحمه الله.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، وقد ضجّت وسائل التواصل من الناس عامة والشعراء خاصة بعبارات الرثاء الباكية شعراً ونثراً على وفاة الراقي في كل شيء سعود الدوسري - رحمه الله -.
كما أن تأبين الشاعر عبداللطيف آل الشيخ عبر قناة العربية كأحد أبرز أصدقاء الفقيد رحمه الله تداوله الكثيرون لأنه اختزل بعض مالا يعرفه الناس عن الجانب الشخصي كالمرض في (عضلة القلب) وقوة إيمان وصبر الفقيد رحمه الله، وإيمانه بالقضاء والقدر بشكل مطلق في هذا الجانب، عبر أصغر التفاصيل، كما رواها الشاعر عبداللطيف آل الشيخ، ومن يعرف الإعلامي سعود الدوسري عن قرب يدرك تماماً أن سعود -رحمه الله- لا يشبه غيره سواء في كاريزما حضوره في الإعلام أو في وفائه لأصدقائه، وأنه من أدق الناس في نظرته للأمور من زواياها، وأنه برغم ما أُوتي من خفة ظل وتقليد للأصوات في مرحه إلا أن المهنية بالنسبة له خط أحمر، ولا يجامل فيها.. يقول المتنبي:
ومَا الخيلُ إلاّ كالصَّديقِ قليلة
وإنْ كَثُرَتْ في عَيْنِ مَنْ لا يُجَرِّبُ
أسأل الله جلّت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله.