هاني سالم مسهور
14 يوليو 2015م تاريخ فارق فبينما كانت إيران على مرأى ومشهد من كل العالم تتمرغ مهانة وهي تتنازل عن مشروعها النووي كانت مدينة عدن في الناحية الأخرى من العالم تخرج من عثرات السنين الحالكة لتخرج إلى النور والنصر وتستعيد بريقها ولونها، مفارقة بين عاصمتين إحداهما تخضع راكعة وأخرى تقف شامخة، مفارقة تستحق كثير من القراءة، وتستحق الوقوف فللتاريخ أيامه العظيمة.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ظهرت في 1979م أخذت على عاتقها تصدير مذهبها، وتصدير جنونها، وعبثها، ورغبتها المسكونة في أن تتحول إيران إلى امتداد حضاري إمبراطوري توسعي، فكل ما حدث منذ نشوء إيران لا يستقيم مع قيم التعايش واحترام الآخرين، انتهزت إيران قضية فلسطين وجعلت منها طريقاً معوجاً لتحريرها فأسقطت بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء في طريق دامٍ لأجل أن تصل إلى تحرير القدس.
كان المشهد البارحة أكثر حضوراً في الذهن أكثر من كل مرة، فإيران التي احتاجت إلى كل هذا الخلط في الأوراق لتقول إنها شريك سياسي في الدماء المراقة على كل تراب بلاد العرب، تلك إيران كانت تحتاج بعد أن تتم التوقيع على ملفها النووي مع الغرب أن تقدم شكرها لشريكها في العبث «أبوبكر البغدادي» رأس حربتها في شيطنة المنطقة وذراعه قاسم سليماني الذي بترت في صباح الثلاثاء من ذات اليوم الذي كان يحتاج لتلك الذراع لتصفق في مشهد إيران الهزيل.
نفتخر كثيراً أننا شهدنا قطع الذراع الإيرانية في عدن، فمنذ الخامس والعشرين من مارس 2015م والذي اطلق فيه «عاصفة الحزم» حماية للأمن القومي العربي وعزم قوات التحالف العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، صمدت عدن مائة وتسعة أيام كاملة، وقدمت ومحافظات الجنوب العربي ما يزيد عن ألف وأربعمائة وخمسين شهيداً كانوا مهراً مسدداً لتكون عدن في التاريخ ليست المستعمرة البريطانية على مدار 129 عاماً، وليست عدن مدخل على أهم ثلاثة مضائق في العالم، كل تاريخ عدن يتصاغر عندما تكون هي المدينة العربية التي على أسوارها تحطمت إيران وتصاغرت أحلامها .. وتبخرت أوهامها .
ما حدث في عدن هو انتصار حقيقي لقيمة العرب، انتصار لذاتهم، انتصار يستحق أن يتصدر وسائل إعلامهم، ويسود الفرح وجوههم، انتصار يشابه تماماً عبور الجيش المصري العظيم للقناة في رمضان 1973م، تماماً كما هو شهر رمضان 2015م التي قطعت فيه أصابع إيران وسالت دمها على اسوار عدن .
انتصر في عدن قرار الملك سلمان، وعزمه، كل انتصار عدن، كل صمودها كان خالصاً عند ميثاق العرب وعهدهم ووفائهم فكان الجنوبيون يدركون أن مهمتهم التاريخية الكبرى هي أن يكون انتصار عدن مفصلاً في تاريخ العرب فمن المعيب والعار أن تكون عدن هي الخامسة من عواصم العرب التي تسقطها طهران.
كل ما حدث منذ أن انطلقت «عاصفة الحزم» كان يستحق من عدن أن تفي بوعدها وتطلق حريتها في ذات اليوم الذي تكون فيه إيران هزيلة مكشوفة أمام العالم، انتصار عدن في توقيت يتوافق مع المشهد الإيراني لا يمكن أن يكون مشهداً عابراً دون التمعن فيه، فلقد صنعت إيران العبث والفوضى في الشرق الأوسط من أجل صورة تودع في التاريخ، لكن هذه الفوضى ليست النهاية بل هي جزء من مشاهد متوالية ومتلازمة بين قوى الخير والشر.
وصلت إيران إلى ما أرادت، وباعت طموحها النووي، وخسرت أول معاركها في يوم ما تعتقد أنه يوم انتصارها، هزيمة الإيرانيين عبر وكلائهم المتخلفين القادمين من كهوف مران في شمال اليمن وحليفهم المخلوع علي صالح هي هزيمة سيكون لها تبعاتها الكثيرة، فالجزيرة العربية هي نسيج عربي إسلامي موثوق بالدم والرحم، وإن كانت عدن تبلور من خلال انتصارها وما سبقه في الضالع مشروع انفصال بين جنوب وشمال، فهذا لا يعني أبداً أن يكون الشمال تابعاً لطهران إطلاقاً.
معركة عدن هي جزء من أجزاء كبيرة في تحرير عواصم العرب الأربعة التي يجب أن تعود لحاضنتها وسياقها التاريخي والطبيعي، الدرس في عدن كان بليغاً واضحاً لا يمكن لإيران حتى وإن جاءت بكلابها من أرض اليمن فلن يجدوا في عدن أو الضالع أو أبين ولحج وحضرموت وشبوة مكاناً لهم فهذه مدن لا يمكن أن تكون حاضنة لغير نسيجها، لذا على صنعاء أن تستعيد خصائصها القومية والإسلامية لتتحرر من سجانها الذي وضعها في قفص مع أخواتها العربيات.