مطيع النونو
ودَّعت الجزيرة العربية يوم السبت 25 رمضان 1436هـ الموافق 11 يوليو (تموز) 2015م رجل الدبلوماسية وعميدها في المملكة والعالم الأمير سعود بن فيصل بن عبد العزيز الملك الذي استشهد يوم الثلاثاء 25 آذار 1975م وهو يدير شؤون الدولة في مكتبه بالديوان الملكي- طيَّب الله ثراه - وتغمد نجله الأمير سعود الفيصل بالرحمة والغفران.
والحقيقة أن الجزيرة العربية كانت يوم وفاة الأب ويوم وفاة الابن الذي رحل بعد وفاة والده بأربعة عقود كان يومين حزينين في جزيرة العرب وفي أركان الكرة الأرضية. لأن المملكة العربية السعودية تضاهي دول العالم في مراحل تطورها، والأب والابن هما من رجال الشجاعة الدبلوماسية على كرة الأرض. وما لنا إلا الصبر على الشدائد، وكان من واجب الوفاء لهما عن شخصية الملك فيصل - طيَّب الله ثراه - وعن نجله الأمير سعود الذي ورث منصب وزارة الخارجية عن والده الذي مارس المنصب منذ 45 سنة، لأن البيت السعودي إنما هو بيت العقيدة، وقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: « بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض».
وقال الله تعالى في سورة النور: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ أمنوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا استخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمنا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} سورة النور، الآيتان 1و55).
ومن فضل الله تعالى انه قد منَّ على الجزيرة العربية بأن الأسرة السعودية الحاكمة قد خرجت من عمق هذا الشعب المؤمن الوفي. ومن هذا الواقع أكرر ما قاله الملك عبد العزيز في مناسبات عدة: « إن خطتي التي سرت عليها، ولا أزال أسير عليها - وهي إقامة الشريعة السمحة، كما أني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف، كما قال: « أنا وأسرتي وشعبي، جند من جنود الله نسعى لخير المسلمين».
وقال الملك عبد العزيز: «إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث العابثين، ولنا الفخر العظيم في ذلك».
لقد عرفت سعود الفيصل في عام 1971م حيث كان نائبا لوزير البترول وقد ابتغته مؤسسة بترومين وكانت تعتبره حجر الزاوية في قطاع البترول، وليشرف سموه على تنفيذ أعمالها في الداخل والخارج، وإجراء دراسات وافية لموارد المملكة وإمكانياتها في الأسواق المتوافرة لها.
وان هذا اللقاء بحضور الدكتور عبد الهادي طاهر محافظ مؤسسة بترومين وبجانبه الأمير الشاب سعود الفيصل. وأكَّد الأمير سعود أن الشركة الوطنية العربية حققت نجاحاً كبيراً ملحوظاً في قطاعات الصناعات البترولية والبيتروكيماوية وقطاع المعادن والصناعات المعدنية.
وحدثني الأمير سعود الفيصل عن مهماته في هذه المؤسسة باعتبارها مؤسسة حديثة وباعتبار سموه واحداً ممن اكتسبوا مهارات صناعية ويعملون في المؤسسة، وتزويد بترومين طائرات الخطوط العربية السعودية كما تمون كافة طائرات الخطوط الجوية الدولية العاملة في مطارات المملكة العربية السعودية.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآيتان: 145،102) {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} سورة الزمر، الآية: 30).
إن شجاعة الأمير سعود كانت مضرب المثل ومعقد الأمل. إنها شجاعة تقترن بالشهامة والنبل والإخلاص، إنه حريص على إقرار العدالة في جزيرة العرب لأن الحق أقوى للإِنسان. لذلك العظماء لهم دور مهم في حياة المجتمع، والرجل العظيم هو من احب الخير وسعى وراءه حتى يدركه.
وقال الشاعر الإسلامي ابي الطيب المتنبي رحمه الله:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وما عرفت البشرية شخصية متسامحاً مثل الأمير سعود مع الرعية الإسلامية وما شاهد.
فإنني أكتب عن وزير الخارجية وعميد الدبلوماسية السعودية الذي رحل عنا باعتباره صاحب رسالة دبلوماسية عريقة، وقصدت من وراء ذلك أن تكون سيرة الأمير سعود الفيصل شيئاً ينمي الإيمان بالله تعالى ويزكي الخلق، ويغري باعتناق الحق والوفاء له لأنه يدافع عن الحق الذي أراده الله تعالى لمخلوقاته، ويضم في كل مواقفه ثروة طائلة من الأمثلة الرائعة لهذا الراحل العظيم.
لقد علَّم الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلَّم - وعلم المسلمين في شخصه أن يلتزموا بالحق الذي عرفوا، وأن يتشبثوا به مهما قولبوا وحوربوا لأن أوامر الله سبحانه وتعالى في كتابه القرآن كانت حاسمة تقضي بأن الإيمان بالله وكتبه ورسله وبجميع رسالاته كل لا يتجزأ، ولا بد من الاستمساك بهذه التعاليم الثابتة والراسخة والمرتبطة مع بعض لاستكمال الإيمان لهما وإعزاز، وكراهية للخرافات وعداء صريح للباطل.
لقد جعل الله تعالى في هذه الأرض الطاهرة خلائق، أي قوما يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل، مكلفين بعمارة الأرض وجعلها سكنا للمخلوقات البشرية التي أوجدها الله وحده لا شريك له، ولم يكلفهم بتدمير الأرض ومن عليها، بل القيام بالأمن والاستقرار والسلام بين المخلوقات ليعيش الجميع بكل راحة واطمئنان.
وقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (سورة المائدة، الآية:50).
هذه السياسة الحكيمة التي كان يحملها عميد الدبلوماسية السعودية وممسكاً لها كما عرفته منذ 50 سنة ولم يتبدل. وإذا أراد الله بأمة خيراً جعل يقظتها على أيدي أبنائها.
وكان يحدثني الأمير سعود الفيصل بأن إخوته مع شخصه عددهم ثمانية أولاد ذكور، عدا الإناث، وكلهم يحملون شهادات جامعية من الجامعات الأمريكية في الشأن الاقتصادي، باستثناء الأمير عبد الله الذي التزم بثقافته الأدبية والشعر الرفيع وله مكان الصدارة مع الأمير خالد الفيصل - حفظه الله - .
وقال الأمير سعود - رحمه الله - عن مولد والده الملك فيصل: لقد قيل لي إن مولد والدي كان يوم إصابة قاتلة للملك عبد العزيز على خصمه عبد العزيز بن الرشيد وقضائه عليه في روضة فيها واستخلاصه القصيم نهائيا من آل رشيد ومن حكم حكومة العثمانيين.
وأكَّد أن جدنا الملك عبد العزيز من عادته القديمة، يؤرخ ميلاد أنجاله بالأحداث والوقائع التاريخية الفاصلة.
وقال: المؤرخ حافظ وهبة في كتابه خمسون عاما في الجزيرة العربية (ومعنى الفيصل في اللغة: الفيصل والحكم والحاكم، والقضاء بين الحق والباطل، فالباطل كالفاروق، فيه معنى المضاد وحسم المعضلات. كما قال الإمام بن كثير: إذا ألح في الإشكال أمر، «فيصل» وقد حارت الأفكار في الحل - فيصل.
وقال سعود الفيصل في حديثه عن والده باعتباره شديد الوفاء لقادة العالم العربي رغم بعض مواقفهم العدوانية لسياسة والده وأعني الرئيس جمال عبد الناصر، فقال في ليلة من الليالي عندما عاد والدنا من مكتبه في الديوان الملكي ودخل قصره وكان عبد الناصر يحمل على والدنا في خطاب بالتلفزيون بأمور لا صحة لها، وكانت إحدى أخواتي تسمع ما يقوله عبد الناصر عن والدها، وأخذت تشتم الرئيس عبد الناصر وعندما سمعها والدنا قال لها: ( ليس عندي بنت شتامة وادعي الله أن يهديه ليقول الصواب في مواقفه).
وإلى لقاء.