مطيع النونو
رحل عنا لدار الآخرة الزميل الإعلامي الدكتور بدر بن أحمد الكريم الملقب بـ»أبي ياسر» وله تاريخ في مهنة الصحافة السعودية من عقود ماضية وله خدمات في الإذاعة السعودية وفي العمل الصحافي الرسمي حيث تولى منصب مدير عام وكالة الأنباء السعودية التي سبق أن تأسست في عهد الملك فيصل - طيب الله ثراه - لتكون في خدمة ضيوف الرحمن في ذاك التاريخ.
ثم اختير الدكتور الكريم عضواً في مجلس الشورى ليمثل قطاع الصحافة في هذا المجلس الاستشاري والعمل الصحفي بمثابة مرآة الدولة حقاً في المملكة العربية السعودية لأن نظامها ثابت لا يتزعزع في ظل قيادة دستورها القرآن الكريم وهو راسخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد عاش الفقيد أبو ياسر حياة حافلة بالشأن الصحفي وكان يتمتع بصداقة أخوية مع كل من يعمل في هذه المهنة سواء في عمله الرسمي أو من يعمل في هذه المهنة الشريفة والتي عرفت بمهنة البحث عن المتاعب وكان هو فارسها لما لهذه المهنة من أصالة في نظام المملكة العربية السعودية. وأقول الحقيقة كان الزميل بدر علماً في تاريخ الإعلام السعودي.
إنه منعطف واسع من عمر الصحافة السعودية وظل يحملها في وجدانه وإرادته، كما ظلت هذه المهنة تحمله في كل منعطف في تاريخها. وكان شاهداً وفاعلاً على كثير من الأحداث التي شهدتها المملكة العربية السعودية في تاريخ معين في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز والأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي يتولى لجنة الحج العليا التي ترسم خطط الحج وان يكون الحج مناسبة للعبادة وذكر الله تعالى ولا مكان فيها لغير الله تعالى غاية ومبتغى، ولا تلبية إلا لنداء الله تعالى، ولا ابتهال لغير الله، وكان في ذاك التاريخ وزير الإعلام الشيخ علي الشاعر عافاه الله وجعل للزميل سلطة معينة في الشأن الإعلامي.
وتؤكد المملكة منذ أن فرض الله تعالى الحج لم يرفع خلال موسم الحج شعار سوى شعار (الله أكبر).
وفي عام 1400هـ بدأت ظاهرة غريبة من الحجاج الإيرانيين بعد قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران بدأت تظهر من الحجاج الإيرانيين ظواهر غريبة وعمل فوضى لفقدان الاستقرار في موسم الحج والحديث يطول ويطول إذا دخلنا في التفاصيل.
وحديثنا عن محاسن الزميل بدر الكريم وكان مسؤولاً عن وكالة (سانا) للإعلام في ذاك التاريخ وذكاه الله خيراً أن كان مسجلاً تفاصيل الحادث الإجرامي الذي وقع يوم الجمعة السادس من ذي الحجة (1407هـ) القصة الكاملة التي شهدتها مكة المكرمة للفتنة الإيرانية الخمينية في رحاب الحرم المكي وقدم وثيقة تاريخية تبياناً للواقع الإجرامي الأليم مدعومة بكل ما سجلته وسائل الإعلام السعودية من الوثائق بالصور والبيانات اللامعة ولتكون شاهداً في بطون التاريخ على ما وقع وسجله في كتاب خاص أعدته وزارة الإعلام ليقرأه جميع الشعوب في الكرة الأرضية كي يقفوا على حقائق الأمور ومدى بعد المؤامرة الدنيئة التي يحاول زعماء طهران إنفاذها باسم الإسلام وتحت ستار البراءة من المشركين، ولكن الإسلام بريء منهم ومن أعمالهم التآمرية.
وقد حمل الكتاب الموزع على القارات الخمس 264 صفحة تخللها ستة أبواب ما حملته وسائل الإعلام الإسلامية والعربية العالمية من شجب واستنكار للموقف الإيراني وبث الفوضى في أقدس موقع إسلامي البيت الحرام.
لقد كان الزميل أبو ياسر رحمه الله حريصاً على إقامة علاقات أخوية مع كل الزملاء الإعلاميين وكنت أجتمع به في كل جلسة يدعو لها الديوان الملكي في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز في قصر السلام في الرياض ويحضرها كبار الأمراء والوزراء والشخصيات العربية من ضيوف المملكة، والزميل كان يحب المداعبة وعندما نلتقي يبادرني بالسؤال: كيف ابني (ياسر) وهو يعني ياسر هواري الصحافي اللبناني المعروف وصديق المملكة، وكنت أتعاون معه سنوات عديدة في كل إصداراته كما كنت مستشاراً لمجلة (عربيات) الناطقة باللغة الفرنسية وتصدر في باريس.
وأقول له يسلم عليك كثيراً، وعندما أجتمع بالأستاذ ياسر هواري في باريس أقول له والدك يسأل خاطرك ويبلغك مودته وتحياته.
كما كنا نتبادل الضحك مع أبي ياسر بهذه المناسبة سواء مع الأب المصطنع والابن الذي هو أكبر من الوالد، ومنذ سنوات ثلاثة التقيت بالزميل أبي ياسر وسألني عن ابنه فقلت له إنه مريض وبحاجة لدعائك له بالشفاء إن شاء الله.
ويقول الله تعالى في كتابه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (42) سورة الزمر. {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (44) سورة الزمر.
ويقول رب العزة والجلال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26 - 27) سورة الرحمن. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء.
تغمد الله بالرحمة فقيد الصحافة وأسكنه فسيح جناته وألهم أولاده وأسرته العائلية وأيضاً الأسرة الإعلامية التي أصابها الحزن العميق بفقدان رجل من رجال الإعلام المخلصين لوطنهم، ولهم الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.