د. محمد عبدالعزيز الصالح
لاشك أن ارتفاع معدلات التضخم وتفاقم غلاء المعيشة يطال كل اصناف المجتمع العاملين والمتقاعدين، فالسلعة حرة، والسوق كذلك يعتمد على العرض والطلب، ولأنه سوق مستورد فانه يتأثر بالأسواق العالمية وبالكثير من الأسباب التي تؤدي الى الارتفاع والمجال هنا ليس لشرح أمر يعرفه المواطن حتى غير المتعلم.
ولكن الحديث هنا على أن الدولة أقرت سابقاً 15% زيادة في الرواتب من اجل غلاء المعيشة وتم اعتمادها لمن هم على راس العمل وكذلك للمتقاعدين، ورفع بذلك الحد الادنى لرواتب الموظفين السعوديين لـ 3000 ريال.
وان كان ذلك لا يكفي ايضا مع معدلات التضخم وغلاء الاسعار, وكذلك فإن هناك زيادة سنوية في الراتب للموظف تقر حسب انظمة وزارة الخدمة المدنية او نظام التأمينات الاجتماعية لمن هم على رأس العمل فقط، ولن أتحدث هنا: هل هي كافية او تحتاج الى اعادة نظر في النظامين اللذين يأخذ التعديل فيهما مددا طويلة ، يصبح التعديل بعدها غير كاف، وتبقى العجلة بطيئة جداً في مواكبة الاحتياج والمواءمة مع الواقع الذي يعيشه الفرد .
ما أنا بصدده في زاوية اليوم: هل يعتقد من يملك القرار سواء في النظامين (الخدمة المدنية او التأمينات) او من يملك الرفع بالمشورة في مجلس الشورى، ان التضخم وارتفاع الاسعار لن تطول المتقاعد، أو أنه يمكن ان يعفى من هذا الشبح الذي يقف أمامه في كل لحظة من يومه وأمام افراد اسرته الذين لا يعولهم الا هو أو هي، طالما انه اعتباراً من تاريخ تقاعده قد صدر حكم بتجميد الزيادة في راتبه، الا ان صدرت مكرمة ملكية عامة، لأن هناك من يرى عدم شمول المتقاعد بالزيادة لأنها تثقل ميزانية الدوله حتى وإن كان أرصدتها واستثماراتها بمئات المليارات والتي كان اساسها ما يقتطع شهرياً من راتب الموظف، ناهيك عن الانخفاض الكبير في الراتب اذا تقاعد الموظف وخاصة للإخوة العسكريين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، والذين يحتاجون الى اعادة لدراسة اوضاعهم وعلى مختلف الرتب عبر دراسات اكتوارية يعرف فوائدها من هم يمارسون النظام المالي في المصالح الحكومية والتي يمكن معها ادخال العلاوات في الراتب التقاعدي وتضمينها كذلك في الاقتطاع الشهري المعتاد منه .
ان المتقاعد وخاصة من يقل راتبه عن 6000 آلاف ريال لا يستطيع ان يتواكب مع معدلات التضخم المعيشية لان العلاوة السنوية أصبحت له مثل الذكرى ، واصبح الكثير يتندرون عليه وان عليه تغيير اسلوبه المعيشي والبحث عن بدائل ارخص , ناهيك عن عدم قدرته على مواكبة التضخم العقاري الذي زاد الفقير فقراً والغني غنى ، وبدأت معه الطبقة الوسطى في التلاشي, ناهيك عن عدم قدرته على مواكبة مصاريف الخدمات المختلفة، وأصبحنا اليوم نقول بجواز دفع الزكاة لمن هو اقل من هذا الدخل، حسبما ورد في كثير من الفتاوى الشرعية.
من الأهمية التذكير بأن أعداد المتقاعدين في النظامين تجاوزا المليون متقاعد، وذلك بحسب الدراسات المنشورة ، وان 60 % منهم من اصحاب الدخول المتدنية، واعمارهم لا تسمح بعمل جديد ، والكثير منهم يعانون من مشاكل صحية تستنزف الكثير من رواتبهم التقاعدية، والدولة أعزها الله لا تدخر جهداً في توفير سبل العيش الكريم للمواطن، وقد لا تكون الصورة واضحة عن معدلات الفقر والاحتياج الدقيق لمعيشة المواطن ، ولذا فان كل من بيده من الوزراء والمسؤولين ان يحمل هذا الملف، فهو مؤتمن عليه خاصة وان دراسة قامت بها مؤسسة الملك خالد الخيرية لتحديد الحد الادنى للمعيشة الشهرية التي تجاوزت 8000 ريال على الاسر المتوسطة ومعدلات الصرف المقننة بدقة, فهل نسمع عن دراسة عاجلة لهذا الأمر أو إقرار نسبة زيادة سنوية ولو 5% على الراتب التقاعدي لأصحاب الرواتب التي تقل عن 5000 و 3% لمن رواتبهم اقل من 10000 ريال ، ثم يعاد دراسة ذلك بعد خمس سنوات وتقسم النسبة على شريحة أكبر أو ترتفع النسبة وتزداد الفئات المستفيدة لنضمن العيش الكريم لكل مواطن .
ختاماً .. استمرار الوضع على ما هو عليه دون معالجة يزيد الطبقية في المجتمع, ونتطلع ان يكون ذلك من الموضوعات التي تناقش في مجلس الاقتصاد والتنمية ، ليقرر بشأنها ما يضمن بقاء اللحمة للوطن الكريم والقيادة الراشدة التي تسعى لرفاهية ورضا شعبها الصادق والمحب لها.