بدر السعيّد
في كل منافسة رياضية هناك فائز وهناك مهزوم واحد أو أكثر بحسب نوعية الرياضة..والهزيمة في عالم الرياضة أمر وارد ولم يسلم منه عمالقة الرياضة أفراداً ومنتخبات وفرقا.. وحين تقع الهزيمة فإنها تلقي بظلالها سلباً وتؤثر على كل من له علاقة بها.. ابتداء من الرياضي نفسه وانتهاء بأصغر مشجع.. وتمتد تلك السلبية في أكثر من اتجاه ويستمر تأثيرها لزمن.
ومن أسوأ الآثار السلبية للهزيمة والوجه الأكثر إزعاجاً.. والذي يجعل صورة الهزيمة بشعة.. ويتعداها ليشكل إخفاقاً أكثر سوءا من الهزيمة نفسها.. ذلك هو الخروج عن الروح الرياضية.. وغيره من مجمل الأفعال والأقوال التي تصدر من لاعب أو فريق أو مسئول أو إعلام أو جمهور تعرض للهزيمة.
وهي التصرفات التي حين تحضر فإنها تخدش جمال الرياضة.. وتنسف روح المنافسة.. وتعصف بالأخلاق.
تحضر الهزيمة.. فيصاحبها خروج عن النص.. قبل الخروج من المنافسة!!.
تحضر الهزيمة.. فتكون مبرراً لضعيف العقل.. وقليل التربية بأن يوظفها في اتجاهات بعضها محدد.. والبعض الآخر عشوائي.. يسيء لهذا.. ويتهم هذا.. ويتهجم على هذا.. ويهدد هذا!!.
ومن الملاحظ والمخجل.. هو أن بعض من يقود تلك الانفعالات «اللامسئولة».. و»الانفلات» الخادش للحياء هم نجوم ومشاهير الرياضة سواء المسئول أو اللاعب أو المدرب أو الإعلامي.
ففي الوقت الذي ينتظر منهم أن يكونوا هم القدوات المؤثرة إيجاباً في البيئة الرياضية، فإننا نجدهم المعول الأكثر هدماً في جدار الروح الرياضية.. والنسيج المجتمعي الواحد.
وللأسف الشديد أن أولئك الخارجين عن النص يجدون أمامهم جيشاً من المدافعين «المسيرين».. وجنداً في الإعلام يؤيدون تصرفاتهم.. بل ويسوغون المبررات تلو المبررات.. ليوهموا المشجع وصاحب القرار التأديبي والانضباطي بسلامة موقف المخطئ!!.
لا تنتظروا أي تقدم لرياضة لم تجد رادعاً للمتجاوزين.
ولا تنتظروا تطوراً رياضياً في ظل وجود من يصفق للخطأ.
ولا تنتظروا بيئة صحية جماهيرية مالم يحترم الجميع بعضهم بعضا.
ولا تنتظروا خلاصاً من التعصب الرياضي ما لم يوقف كل متهجم عند حده.
وفي حال استمرت الاستثناءات.. والتغافل.. والتجاهل.. والتبرير للمخطئ.. فسنجد أنفسنا يوماً ما عبئا على مجتمعنا.. وسنصحو وقد باتت رياضتنا خارج سرب الرياضة العالمية.
وحتى أكون أكثر إنصافاً فإن وسطنا الرياضي- ولله الحمد- لا يحمل الكثير من تلك الأمثلة السلبية التي لا تمثل إلا نفسها في نهاية الأمر.. لكنهم شريحة داخل نطاق العمل الرياضي يجدر بنا التعامل معها بالشكل الصحيح.. من منطلق التصحيح.
متى يقتنع المسئول قبل المشجع.. واللاعب قبل الإعلامي.. أن المنافسات الرياضية قابلة لكل الاحتمالات؟!.
فلنكن جاهزين ذاتياً.. ومعدين ذهنياً.. وحاضرين تربوياً.. للتعامل مع الهزيمة الرياضية باعتبارها جزءا من حياتنا الرياضية.. لا نتوقف عندها.. ولا نستسلم لآثارها.. ولا نجعلها مسوغاً لنا للإساءة للآخرين!! كما يجدر بنا البحث عن أساليب للحد من هذا التأثير في الكم والكيف ؟! والبحث عن معالجة تلك التصرفات.. كلٌ فيما يخصه.. أنا وأنت قبل الآخرين.
المصارحة مع الذات.. ومراجعة أسباب الهزيمة.. وتصحيح الأخطاء.. وشحذ الهمم.. والاعتذار للجمهور.. هي ما يفترض على الرياضيين أن يبحثوا عنه بعد الهزيمة.. وهي العتبات التي يجدر بخطواتهم أن تنساق لها.. ويجدر بعقولهم أن تتجه نحوها.
أما البحث عن مبررات «وهمية».. والسعي لمهاجمة الخصوم بطريقة «لا أخلاقية».. وإيهام الإعلام والجمهور بـ»فرضيات عدائية» لا وجود لها.. وإشغال المجتمع الرياضي بتصاريح «نارية» لا تمت إلى الأدب بصلة.. والتهديد ووالوعيد.. وتغيير الحقائق.. واتهام الآخرين في ذممهم..فهذه حيلة العاجز.. الذي عجز عقله عن تقبل الهزيمة.. وضعفت إمكانياته عن إصلاح أخطائه.. فظهر بما هو أسوأ من الهزيمة ألا وهو خسارة مبادئ الأدب.. والمنافسة الشريفة.. والأخلاق العالية.. وهي التصرفات التي ستجعل الطريق إلى المنصات «المنطقية».. والانتصارات «الشرعية» أبعد مما كانت عليه!!.
استعدوا لهذا الاحتمال
إذا خسرت في منازلة رياضية فتأكد بأن جميع من شهدوا على هزيمتك سبق لهم أن تعرضوا لمثلها لا محالة.. وتأكد أن تلك الهزيمة هي جزء من الرياضة.. وفرضية قائمة.. واحتمال وارد في حسابات الرياضة.
لست هنا أقدم الأعذار الأولية للكسالى وضعيفي الهمة.. ولست هنا لأبسط مفهوم الهزيمة وألغى قيمة الانتصار.. ولا ألغي إطلاقاً حق كل مظلوم في أن يقدم مبرراته «المنطقية» و»الواقعية» للهزيمة.. لكني في الوقت ذاته أسعى إلى إيصال رسالة لجميع الأحبة في الوسط الرياضي بأن يحملوا معهم قيمهم.. وليقدموا لنا الترجمة الجميلة للتربية التي تلقوها في بيوتهم ومدارسهم وحياتهم العامة.
آخر المسار:
طرقت هذا الموضوع قبل انطلاقة الموسم.. أملاً في أن يجد طريقه لعقول البعض مسؤولا كان أم مشجعا.. لاعبا هنا أو إعلاميا هناك.. وليكن لكل منا دوره في القضاء على الآثار السلبية للهزيمة.
إذا هزمت في الملعب.. فلا تخسر خارجه..
إذا هزمت في المنافسة.. فلا تخسر شرفها..
دمتم أحبة.. تقربكم الرياضة.. ويجمعكم وطن..