أ. د. فالح العجمي
اطلعت على دراسة مسحية، أُجريت بشأن توقعات شرائح مختلفة في المدن الغربية عما سيكون الوضع عليه في سنة 2500م (أي بعد خمسة قرون من الآن)، وكيف ستكون حياة الناس في حينها. وكانت بعض النقاط الطريفة قد حازت تقويماً مرتفعاً جداً من التوقعات، أبرزها المتعلق بكون الفئران ستكون هي الحيوان المفضل للتربية عند الأطفال، وأن الكلاب ستنقرض من الوجود في تلك الحقبة. كما جاءت بعض التوقعات بانتهاء الاحتفالات بأعياد الميلاد (الكريسماس)، وأن الوالدين سيختاران أولادهما بتحديد جيني واضح من الكتالوج للعوامل الوراثية المرغوب في وجودها لديهما، وأن الرجال سيصبحون يستخدمون الماكياج أكثر من النساء، وأن العالم سيخلو من الملوك والأباطرة، وأن أنواعاً من الكائنات الفضائية ستغزو الأرض مرتدية أفرادها بنطلونات قصيرة وقمصاناً ملونة.
غير أن التوقعات الأكثر غرابة هي الثلاثة الآتية: الأول أنه سيصبح الحب الافتراضي ممكن التحقيق. وهذه فلسفة لو تصور جلال الدين الرومي أنها ستتحقق لكان قد ألّف فيها المؤلفات العديدة تشوقاً إليها، ورغبة في تحقيقها على طريق الحب الروحاني الصوفي. والثاني أن أجهزتنا الحديثة المتقدمة من المايكروويف إلى الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر ستكون معروضة في المتاحف؛ لأنها غير آنية الاستخدام. فما الذي سيحل بديلاً عنها، بعد أن ظننا أنها وصلت إلى قمة ما يمكن أن يبتكره العقل البشري؟ والثالث أن أدياناً جديدة غير معروفة الآن ستظهر على السطح، وستكون لها الأهمية الكبرى في العالم. ما هي هذه الأديان، وما طبيعة العلاقة بين معتنقيها ومبتكري مبادئها؟
فما الذي يمكن أن نتفق معهم فيه، أو نختلف عنهم به؟ هذه القائمة الأخرى المستخلصة من رؤية محلية خالصة في حوار مع بعض الأفراد من ثقافتنا من ذوي الخلفيات المختلفة كانت التوقعات بها كالآتي: سيكون البترول قد انتهى، أو لم يعد دوره قائماً، وسنعود إلى استخدام الحيوانات والعربات التي تجرها الخيول أو الحمير مرة أخرى. ستكون شبه الجزيرة العربية قد تحولت إلى جزيرة كاملة بعد أن تكون قناة مائية بين البحر الأحمر والخليج قد أكملت إحاطة الماء بها من جميع الجهات، وستكون عليها بعض المنتجعات البحرية التي تسحب الجذب السياحي من دبي وغيرها. سيصبح الربع الخالي مأهولاً بالسكان بعد ابتكار مادة تجعل كثبان الرمال قابلة للتحول إلى أرضية صلبة، ولا تتحرك باستمرار، وستأتيها إمدادات المياه من المناطق العمانية المحاذية لها.
أما الأكثر غرابة فقد اتجهت في التعامل مع بعض الآمال المتعلقة بالحياة اليومية، منها: في تلك الحقبة ستكون المرأة عندنا قادرة على قيادة السيارة، واستخلاص معاملاتها بنفسها دون ولي أمر، أو إثبات هوية من أحد. وقد توسع صاحب هذا التوقع إلى أن المرأة ستكون هي صاحبة الكلمة في العائلة، وأنها ربما تصبح في مواقع قيادية عليا. والآخر توقع أن تزول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصبح الإدارات الحكومية تعمل ضمن إطار قانوني واضح، وليس حسب اجتهادات أفرادها وتأويلهم للنصوص الدينية، أو العادات والموروث الاجتماعي. أما الثالث - وهو الأغرب - فقد توقع أن تصبح فرنسا تعمل بأنظمتنا الحالية بوجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها. أما لماذا فرنسا؟ فقد أوضح أن عدد المسلمين سيزدادون فيها، وأغلبهم من أصول عربية ذات خلفيات متشددة، ويريدون فرض المبادئ الاجتماعية التي يرغبون في العيش في ظلها. عندها ضحكتُ، وقلتُ: والله لو علمت ماري لوبان عن توقعاتكم هذه لاستغلتها أحسن استغلال في التخويف من المد الإسلامي في أوروبا، وإن كانت هي تظن أنها لن تستغرق خمسة قرون حتى تتحقق!