دبَّ الرعب وسيطر الذهول في جميع أنحاء العالم عندما انتشرت الأنباء عن أخطار فيروس «انفلونزا الطيور» سيّما وأن أنواعاً عدّة من الطيور تعيش على أراضينا وتبني أعشاشها وتتوالد، إلى جانب أن بلادنا هي محطة وممرَّ للطيور المهاجرة.
منذ زمن بعيد والإنسان يأنس للطيور وللعصافير كافةً وخصوصاً المغرّدة، وسعى دائماً للحصول عليها واقتناء الغريب منها والنادر كالببغاوات وما يعادلها، وأسَّس مزارع للدجاج والبط والنعام، وتعدّدت الأسواق التي تبيع «الكنارات» و«الحساسين» و«البلابل» و«العنادل وصولاً إلى الجوارح كالصقور» الصيّادة و«البواشق والنسور»... وانتشر بين التجّار والهواة تبادل وبيع كل ذي مخلب ومنقار وريش!
وكثُرت العصافير وتوالدت في «دواوين» عدد كبير من الشعراء وناظمي الأغاني، حيث صَدَحَتْ فيما مضى «أسمهان» بأغنية «يا طيور» وغنّى «فريد الأطرش» «يا ريتني طير لأطير حواليك» وغنّى عبد الوهاب «بلبل حيران»، وتغنّى مجدّداً صباح فخري بأغنية «يا طيره طيري يا حمامة»... و... و... مئات الأغاني والطقاطيق والأهازيج، وكذلك الأسماء والألقاب المنبثقة والطالعة من عالم الطيور وأجواء العصافير ومجمّعات وتجمّعات المناقير والريش والزقزقة والتغريد كإسم الكاتب والوزير المصري «جابر عصفور» وسيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة»، والشاعر الكبير «عمر أبو ريشة»!
أما في مجال القصّة والشعر والأدب فهناك: «دعاء الكروان» لطه حسين، وديوان «العصفور الأحدب» لمحمد الماغوط، و«مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، وفي الغرب هناك موسيقى وباليه «بحيرة البجع» لتشايكوفسكي». أما الكاتب «ملفل» فلا علاقة لروايته العالمية «موبي ديك» بمجتمع الطيور بالرغم من ورود كلمة «ديك»!!!
ولقد دخلت التعابير والأوصاف «العصافيرية» إلى متون وهوامش وحواشي لغتنا العربية بصيغتيها الفصيحة والمحكية فقيل على سبيل المثال: «فرخ البط عوَّام» و»إن الطيور على أشكالها تقعُ» وفلان الفلاني «نتفولو ريشو» و«عنزة ولو طارت» وهناك تعبير حميم هو «العش الزوجي»!
إلى جانب محطات الكلام: «عصافير بطنو عم تزقزق» و«شي بطيِّر العقل» وفلان «طار صوابه» و«طارت فلسطين»!!!
وإذا تعمّقنا أكثر فإننا نجد من يقول: «كل ديك على مزبلته صيّاح» وأن الحزب الفلاني انقسم إلى معسكرين: «الحمائم والصقور»!!
وتعدّدت المحلات التي تبيع الدجاج المشوي كمطعم «الفروج الفضي» و«الفروج الذهبي» والمطعم الشهير «علي بابا والأربعين فروج»!! ولقد بقي اللبنانيون يردّدون شعار: لا يحلّق لبنان إلا بجناحيه «المسلم والمسيحي»... وذلك من دون تفعيله، حتى «طار» البلد فعلياً!!!
رحم الله أيام «حمام الزاجل» والتواصل على رغم بعد المسافات!!! ونقول اليوم هل يمكن أن يكون في زمن «الدواعش» بصيص أمل لحوار بين «سليمان والهدهد»!! أم ستبقى العلاقة وثيقة وعلى غير انفصام بين مفهوم «العصافير» وفقه «العصفورية»!!
أخشى أن تكون «حمامة السلام» الموعود... حاملة لفيروس «انفلونزا الطيور»!!
- د. غازي قهوجي
kahwaji.ghazi@yahoo.com