بحلول هذا العيد المبارك على الجميع، أبدأ خواطره بذكر سُنَّةٍ ابتدعناها وكأنها ضمن قوانين أعيادنا السمحة. فمنذ سنين قريبة وكبار السن والأطفال الذين امتلؤوا براءة هم المكافحون الوحيدون لظاهرة النوم صبيحة العيد.
هذه العدوى المؤذية لثقافتنا آتت أكلها بالنيل من فرحة الناس بالعيد، وسماعهم ركض أطفالهم وهم لابسون الجديد،
ويأكلون الحلوى. لقد أضرَّتْ المظاهر الاجتماعية الجديدة في قوام ورشاقة المجتمع السعودي، فاليوم أصبح بعض مجتمعنا ثخينا بالقيود والعادات الغريبة. ولعله لا يُلام هنا أحد بذاته، فالمسؤول عن بعض التغيّرات السلبية في مجتمعنا هو نمط العيش الجديد الذي صاحب الانفتاح وزيادة الدخل.
هذا النمط الحديث هو الذي يوعز نساءنا إلى لبس الجديد في كل مناسبة فرح، وهو الذي يقود البعض لإزهاق الخراف لأجل ضيف واحد! وهو المسؤول عن خلق القيمة الاجتماعية عبر المشتريات والملبوسات ومتابعة الجديد لإبداء حجم الثروة أو مساحة الوجاهة أو مظاهر الترف. وللأسف تبدو صور النمط الجديد، ومتلازمة «العامة والخاصة» أكثر وضوحاً في مجتمعنا، فالكثير اليوم أصبحوا محرجين مما كان بالأمس سلوكاً وعادة، وأصيبوا بالملل مما كان بالأمس مسلياً ومفرحاً، ولم يأخذوا من واقع الأمس طريقاً للغد. وبما أن هذا النمط الدخيل قد يساعد على وجود المشاعر السلبية لدى الشخص كالهوس بالثراء أو المكانة الاجتماعية، فلا بد من افتعال مظاهر مصاحبة تغطي مساحة الزيف الكامن في النفس المصابة، فعلى سبيل المثال أصبح الكثير منا رهينة لسداد البنوك، ليس لأجل التجارة والاستثمار، وإنما لأجل الصرف على المظاهر الاجتماعية المتنوّعة.
لقد حطت مظاهر الإسراف ركابها في قوائم الإفطار الرمضاني اليومي كما عايشنا، وتفشت عادة السهر حتى أصبح النائم مبكراً غريباً في بيته طوال النهار. ولا تزال الكثير من المظاهر الحديثة تحاول ترويض نفسها لتصبح سلوكاً وتجربة.
من هنا فإن مقاصد أيام العيد السامية يمكن أن تكون حلاً في إعادتنا لطبيعتنا القويمة، فزيارة الأقارب في بيوتهم، وأكل حلواهم، والتقرّب منهم كفيل بإعادة اللقطات الجميلة التي فقدناها منذ زمن. كما أن ممارسة البساطة الحقيقية التي كان عليها المجتمع السعودي حتى قبل عشرين سنة هي منطلق ناجع لمحاربة النمط الدخيل الذي لن يأخذ منا سواء أموالنا وسعادتنا.
وأخيراً: فمما يجدر به التنويه في هذه الأيام السعيدة هو أن المجتمع السعودي عند ذكره لنِعَمِه يجب أن يستمر في دعم وتذكر إخوانه الأشقاء العرب الممتحنين في دول الجوار، ودول الربيع العربي الذي أعقبه وللأسف خريفٌ هب فأسقط أوراق مناه. فلقد مرَّ العيد وأطفال سوريا واليمن والعراق تحت شفيف الأزمة، وملايين الجوعى في إفريقيا يشكون بؤسهم إلى المنظمات الإغاثية الدولية، وآلاف الأطفال في جنوب آسيا يعانون العنف والاضطهاد والاستغلال، وأخيراً فقد مرَّ العيد وقطاع غزة قابع تحت قسوة الظروف وحصارِ الاحتلال.
وإنه وإلى جانب وعينا بما يمر به إخواننا من أهوال، فإنه من الأحرى أن نكمل مسيرة وعينا بتماسكنا فهو عزاؤنا، وحافظنا، ومنقذنا بعد الله. وعلينا أن نقدّم شكرنا لجنودنا البواسل الواعين لأمننا، والحامين حدودنا ليستمر عيشنا ورغدنا. أمَا وقد تجاوز الوطن بقيادته السياسية الحانكة ظروفاً كانت تبدو أكثر صعوبة، فهو اليوم يعبر بنا - أمواجَ شرقٍ أوسطٍ مضطربٍ - إلى بر الأمان إن شاء الله. رحم الله فقيدينا الغاليين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والأمير سعود الفيصل، وبارك في مسيرة قائدنا الملك سلمان - حفظه الله، وكل عام أنتم بخير.
عبدالله بن سعد العمري - كاتب وأكاديمي - السعودية