تتهيأ اللجنة المسؤولة عن ملف تطوير سوق عكاظ برئاسة د. بريكان الشلوي المشرف العام على تطوير سوق عكاظ، لفرز وتحصيل آراء المشاركين في الورش التي عقدت في ضيافة سوق عكاظ أو في الأندية الأدبية على امتداد الوطن، تمهيدا لرفعها إلى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة المشرف العام على سوق عكاظ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.
ولعلي هنا أنتهز هذه الفرصة لتقديم مقترحي قبل أن يقفل هذا الملف ويرفع للدراسة، ومقترحي يتمثل في المطالبة بـ «البحث عن حقيقة سوق عكاظ»، لأن الوقوف على هذه الحقيقة سوف يقودنا إلى تفسير الظاهرة الثقافية التي لازمت سوق عكاظ، وسجلها التاريخ العربي، ويساعدنا أيضًا على بعث الدور الثقافي المرجو منه، ومن ثمّ توجيهه الوجهة التي تخدم الوطن والمواطنين.
والحقيقة تقول إن سوق عكاظ كان سوقًا بالدرجة الأولى لتوفير الاحتياجات الأساسية فغايته في المقام الأول اقتصادية، ولكن العرب لم يكن لديهم علم في الاقتصاد ولا في فنون المحاسبة؛ ولذلك لم يؤرخوا للنشاط الاقتصادي في سوق عكاظ، وانصرف همهم إلى (مايستطيعون رؤيته والإحساس به) وهو ما يحسنونه من فنون الأدب فرصدوا ما يكون على هامش السوق (هامش السوق وليس متنه) من الحكايات والوقائع المتصلة بطبيعة ذلك الشعب العربي، الذي يحتل الأدب بفنيه الشعر والنثر مكانة مرموقة من سجل معارفه. لذلك جاءت عكاظ وكأنما هي موقوفة على معارض القول شعرا وخطبًا ومنافرات ومفاخرات...
وأعتقد أننا بحاجة لتغيير رؤية سوق عكاظ تماما بالعودة إلى منطقه الاقتصادي، والعودة به إلى منطقه لا تعني استنساخ تجربة عكاظ في التاريخ العربي؛ لأن العصر قد تغير وأصبحت الاحتياجات غير ما كانت عليه. ولكن العودة هنا المقصود بها استثمار منطق البقاء الذي يقوم ويتوطد على الحاجة والوظيفة وليس الترف.
ومن هنا أقترح أن يكون سوق عكاظ معرضًا تسويقيًّا لصناعة المعرفة بمعناها الواسع بدءًا من الكتاب إلى المخطوطات وتقنيات حفظها وتصويرها وقراءتها إلى البرمجيات، والرقميات، والحاسوبيات، وتقنيات الطباعة، ووسائل النشر الإلكتروني والورقي، والإعلام المعرفي، وجميع ما يتصل بصناعة المعرفة وأخلاقياتها وإنتاجها وتسويقها وتطويرها. وتحويل سوق عكاظ إلى وجهة اقتصادية معرفية كفيل بجذب الاستثمارات، وجعل عكاظ قبلة ثقافية واقتصادية تجمع رواد هذه الصناعة والمشتغلين بها، والنشطاء فيها من الكتاب والباحثين والمبدعين والفنانين وجمهورهم، ومن ثمّ تبادل الخبرات والمنتوجات والتقنيات والتجارب، وقيام أنشطة ثقافية وفكرية وإبداعية رديفة على هامش السوق وهي أقرب إلى نبض العصر واهتمام الجمهور.
- د. أحمد علي آل مريع