محمد آل الشيخ
زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع للقاهرة، وهو أحد كبار أقطاب صناعة السياسة السعودية، وضعت كثيراً من النقاط على الحروف، وأوضحَت كثيراً من اللبس الذي حاول الإخوان في الخارج، والمتأخونون في الداخل، أن يسبغوه على العلاقات السعودية المصرية في عهد الملك سلمان، وأنها تتجه إلى البرود عما كانت عليه في الماضي القريب. من يرصد تحركات الأمير الشاب في الخارج لا بد وأن يلحظ أنه حريص كل الحرص على تمتين علاقات المملكة بكل محاور القوى الإقليمية والدولية، والحفاظ على التوجه المتوازن والمعتدل والثابت الذي بناه أسلافه، وأصبح من ثوابت السياسة السعودية طوال عقود.
وعلاقتنا بمصر ثابتة لا تتغير، وتحرص المملكة على إثرائها وتنميتها كل ما سنحت الفرصة، حتى وإن شابها بعض الفتور أو الاختلافات في وجهات النظر نحو هذه القضية أو تلك. فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - كان من أوائل من أعادوا مصر إلى الصف العربي، في الثمانينيات من القرن الماضي، بعد أن شابها بعض الفتور حين زار الرئيس المصري الأسبق «أنور السادات» إسرائيل، وأدت هذه الزيارة الشهيرة حينها إلى فتور في العلاقات بين المملكة ومصر لعدد من السنوات. وعندما أقيم في باريس في أواسط الثمانينات فعاليات معرض (المملكة بين الأمس واليوم) الذي افتتحه الملك سلمان - (أمير الرياض حينها) - دعا لحضور المعرض الرئيس الأسبق «حسني مبارك» واستقبله في المعرض، فاعتبر المراقبون تلك الدعوة، وحفاوة الاستقبال، إيذاناً بعودة العلاقات السعودية ومعها العلاقات الخليجية المصرية إلى سابق قوّتها، وهذا ما حصل بالفعل؛ وقد سمي - حفظه الله - آنذاك في وسائل الإعلام العربية والدولية (مهندس عودة العلاقات العربية المصرية).
والمملكة حينما وقفت وساندت مصر، بعد حكم (جماعة الإخوان)، في عهد الملك عبد الله - رحمه الله - كانت تقف مع مصر الكيان والشعب، لا مع الأشخاص، كما يظن المتحزبون للإخوان وكثيرٌ من المتأخونين، ومثل هذه المواقف من الثوابت الاستراتيجية للمملكة - بغض النظر من هو الرئيس - فقد وقفت المملكة مع مصر بعد هزيمة 67 في عهد عبدالناصر رغم الخلافات التي كانت تكتنف علاقات المملكة بالعهد الناصري، وفي حرب أكتوبر 73 دعم الملك فيصل - رحمه الله - مصر بكل قوة، وساندها في حربها مع إسرائيل مالياً وسياسياً، حتى اعتبره المراقبون أحد صنّاع النصر حين ذاك. ومن المعروف للجميع أنّ سياسات المملكة ومواقفها تجاه القضايا العربية، وبالذات مع مصر في الضراء والسراء، ثابتة لا تتغير، يرثها الخلف عن السلف، والأبناء عن الآباء، وليس لدي أدنى شك أنّ الأمير الشاب يحرص على تراث أهله وذويه وثوابتهم، حرصه على أن تكون نشاطاته السياسية في الخارج والداخل صائبة وموفقة وتصب في مصالح وطنه؛ فمثل هذه الزيارة من شأنها أن تُثري علاقاتنا بمصر أكثر وتوثق أواصرها بشكل أعمق؛ وفي السياسة خلاف وجهات النظر في الجزئيات حيال قضية ما، لا يعني الخلاف في الكليات حيال كل القضايا.
والمملكة ومصر دولتان رئيسيتان في المنطقة، وعلاقاتهما ببعض هي اليوم أكثر من أي وقت مضى ذات أهمية استراتيجية، خاصة بعد توقيع اتفاقية سلمية (المفاعلات النووية بين إيران والدول الخمس في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا)، حيث إنّ هناك إرهاصات ومؤشرات تلوح في الأفق، لا يمكن تجاهلها، تؤكد أنّ تلك الاتفاقية ستنتهي (ربما) إلى حلف بين إسرائيل وإيران في المستقبل القريب، ومثل هذا الحلف لو تم فعلاً، لأصبح العرب جميعاً، وليس المملكة ومصر فحسب، بين مطرقة العدو الفارسي وسندان العدو الصهيوني، وليس لدي أدنى شك أنّ صنّاع القرار سواء في المملكة أو مصر يضعان مثل هذا الاحتمال الخطير في رأس أولوياتهم.
ومهما حاول المتأخونون تعكير أجواء العلاقات السعودية المصرية بإثارة الزوبعات المفتعلة فستظل مجرّد زوابع وهمية، وبالذات في هذه الظروف بشكل خاص.
إلى اللقاء .