جهات معتمة ">
ما أن حرك رأسه في كل الجهات ربما بغية نفض بعض الأفكار، مع تحريك خفيف لأعصابه المتوترة والمتصلبة جراء جلسته في هذا الركن العصري المعتم، فليس هناك ما يدعو لهذه العتمة سوى أنها تسعى إلى كسر روتين الحياة الصاخب وأضواء حياة معاصرة، وشمس تقدح في رابعة النهار، وليل يضاء بقوة وبريق حانق على كل ما له علاقة بالهدوء، والسكينة.
ركنه المعتم يفترض فيه أن يبعث على السكينة، ويؤثث الخمول، والتحرك بأقل طاقة ممكنة، لكنه فيما يبدو وجل ومتململ، ومنساق لحديث في طرف آخر يشبه الهمس.. وكأنه أفعى تفح بأقل ما تؤتى من قدرات الهدوء المصطنع.
عامل المقهى ينحني له بفنجان ربما الخامس أو السادس عله يكسر هذا الهم، وهذا النزيف لحالته الأليمة، التي ينبئ عنها توتره وزفير أنفاسه وتأوهه الذي يغالبه بالهدوء المصطنع تماشياً مع أجواء هذا المكان المحكم بغلالة شاحبة، وإضاءات خافتة، ورائحة نافذة للقهوة ومستحضراتها الجديدة.
ربما أحداث عصفت بهذا الرجل في ركنه للتو، وربما يكون نقلها من الخارج، وجاء بها إلى هنا.. على أنقاض حكاياته، عله يحل ما تشابك منها، أو تراه هاربا من فرط مكابدة يعيشها وتحكم عليه الخناق؟!
وحده الزمن من يقف على حياد هذا المشهد، فلا أثر للزمن المتورد في حاضر هذه الأيام التي تزيد من توتر هذا الرجل الذي يجهد في ركنه المعتم لزحزحة صوت على الطرف الآخر من محادثته شبه الخافتة، لتنبئ هذه الأناة المصطنعة أن المكان يحفل دائماً بكثافة هجس الرواد، وترامي لوعاتهم، حتى وإن هربوا عنها إلى أبعد من ذلك بكثير.
- فهد العلياني