د. حمزة السالم
- خلق الله البشر كلهم من نسل آدم، فساوى بينهم في أصول أسباب الحياة، بينما خالف بينهم في مظاهرها. فخالف بين الأعراق في ألوانها وأشكالها وأحجامها. وخالف بين الأفراد في أصول الصفات العقلية والسلوكية، والتي هي منابع الصفات الأخلاقية، فلا تجد اختلافاً في لون عرق بشري أو شكله أو حجمه، إلا أن يكون شذوذا أو عاهة. بينما تجد في العرق الواحد الكريم والبخيل والشجاع والجبان والذكي والغبي.
- والعرق يجري فيه دم واحد، وأما الشعب فهو تجمع لأعراق. والعرق نسبة لوحدة الدم فيكون في سلالة عائلة حافظت على أنسابها، لأي سبب جغرافي أو لاختلاف ديني أو اختلاف خلقي كلون وشكل. فالعرق أسبق زمانا من القبيلة، فالقبيلة امتداد زمني لتكاثر عائلة واحدة.
- وعرق اليهود من بين الأعراق التي تميزت عن غيرها بالذكاء والعلم والحيلة والجشع. وهي كلها صفات اليهود مكتسبة بالأسباب الكونية، لا في أصل العرق. ككون العرب أمة أمية بالاكتساب لا بالفطرة.
فمعشر يهود قبائل كُثر ترجع في عرق واحد. والتقدم العلمي والفكري لليهود هو نتيجة جهد ومثابرة منهم، لا تفضيلا عرقيا من الله لهم. فسنة الله الكونية لا تميز في الفطرة عرقا كاملا، بصفة سلوكية أو عقلية. فعرق اليهود لا يتميز عن غيره من البشر بذكاء فطري، كما روجنا نحن المسلمين، لندفع ملامة الجهل والتخلف عن أنفسنا، فألقيناها على علم يعقوب وحلم إسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
- فقد كتب الله الجلاء والعذاب على معشر يهود، فلا تجد في تاريخ مآسي الشعوب مأساة شعب طالت فامتدت بطول وجود الشعب واستمر الشعب في الوجود، إلا معشر يهود. (والسنوات تُعد كالأيام في تاريخ الأمم). فبقصر معشر يهود دينهم على ذرياتهم، قلت أعدادهم وعدتهم فضعفت شوكتهم، فتسلطت عليهم الشعوب عامة، وقد كان المسلمون هم الأرفق بهم بين شعوب الأمم قاطبة.
- فكفاح اليهود من أجل الاستمرار في الوجود بدأ من قبل بعثة المسيح عليه الصلاة والسلام. فقد ألحق الرومان العذاب والأذى بهم ولم يكن اليهود على قدر الرومان في الحكمة والعلوم والفلسفة. فلجأ أحبار اليهود للفلسفة والمنطق التي برع فيها أعداؤهم الرومان، فجعلوا منها أدوات البحث والنظر والتأمل في كتابهم السماوي، وما أتى به من سنن كونية.
فأصبح علم اللاهوت اليهودي علم فلسفة ومنطق، فانعكس ذلك على أفراد معشر يهود فكان سببا في توجيه نسلهم وثقافتهم. كما أعانت ثقافتهم الدينية ومواعظهم على تنمية المنطق والسببية في ثقافة التفكير الفردي والاجتماعي اليهودي. وساعدت عملية الاختيار الطبيعي في تنمية نسل الأذكياء والعباقرة منهم، كما محت، عملية الاختيار الطبيعي، من نسل اليهود من لا جشع فيه ولا تطفل. فقد خلق التشرد والاستغلال والاستحقار والمجازر في اليهود، نزعة قبلية متطرفة، وجشعاً عظيماً، وتبذلا في طلب الرزق وتطفلا على حقوق الآخرين. فساهم عامل العلم والذكاء مع عامل التكتل والجشع، مع عامل حرمان الشعوب لهم من السيادة السياسية ومن الجيش، في توجيه اليهود طبيعيا للتجارة أو العلوم أو مواقع المشورة عند النبلاء والملوك. وهذه مواقع رفيعة في المجتمعات الإنسانية، لا تظفر بها أقلية وتسلم من حنق الغالبية، خاصة متى اقترنت بجشع أصيل وطمع فكانت بلاء عليهم، كمجزرة غرناطة مثلا.
- واليهودية المحرفة التي بين أيديهم، ليس فيها عذاب بنار ولا وعد بجنة. فما كانوا ليصبروا على دينهم، ويبرعوا في العلوم على تتابع نكباتهم واحتقار شعوب الأرض قاطبة لهم وإذلالهم والتضييق عليهم، لولا فسحة الفكر في تدبركتابهم وفي أحاديث مجتمعاتهم المنغلقة على أنفسهم.
فبحساب النسبة والتناسب في العدد، فعلى المسلمين تقريبا أن يُخرجوا ثمانين عالما مقابل كل عالم يخرجه معشر يهود، لنصبح وإياهم، كفرسي رهان.
- فاليهود اليوم، لا يتجاوزون الأربعة عشر مليونا. ستة ملايين في فلسطين، ومثلهم في أمريكا، وبقيتهم متفرقة في الأرض.
و هذه الحفنة، المُشردة المنبوذة عبر التاريخ، أخرجت علماء شكلوا نسبة كبيرة في حضارة كل أمة من الأمم التي احتضنتهم عبر التاريخ. وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية، والتي يعتبرها اليهود بأنها عصرهم الذهبي للعلوم، والذي انتهى بمجزرة غرناطة التي أبيد فيها أكثر من ألف وخمسمائة عائلة يهودية بأيدي المسلمين. وتتابعت بعد ذلك نكبات اليهود وتشريدهم على أيدي الدول الإسلامية التي تعاقبت على الأندلس. حتى كان الذبح والتشريد لهم وللمسلمين، بعد استيلاء النصارى على الأندلس.
فمجازر اليهود عبر التاريخ كثيرة، وآخرها مجزرة النازية لستة ملايين يهودي. ولكن مجزرة غرناطة -حسب علمي، فلم أتقص التاريخ- كانت هي المجزرة الوحيدة لليهود تحت ظل حكم إسلامي، وأما قريظة فقد كانت جزاء وفاقا، وبحكم حليفهم الذي اختاروه، معاذ رضي الله عنه، فأثبت الحكم نبينا واعتمده ربنا وربهم.
- وفي العصر الحديث، في القرن الثامن عشر توافد المهاجرون الأوروبيون الشرقيون لأرض العدالة والمساواة، فنزلوا فيها منزلة المساواة مع السود والكلاب. فقد انتقلت لأمريكا، العدائية الأوربية لليهود وشاع بينهم أن اليهود أقل إنسانية من البشر. فمُنعوا من النوادي والمنتجعات، ووضعت عليهم تحديدات في الأحياء السكنية، وكثرت المعاهدات الاعتصامية أو التضامنية الشعبية ضدهم، ووصموا بالقبلية والجشع والطفيلية، والتبذل. ومنعوا من العمل إلا في الأعمال الدنيئة، فما يُنادى اليهودي، ولا يُذكر إلا بلقبه «اليهودي القذر». وبلغت أذية الأمريكان لهم ذروتها أثناء الكساد العظيم حتى اتُهموا بالخيانة والعمالة للثورة البلشفية.
- فانظر يا رعاك الله كيف قلب اليهود النقمة إلى نعمة في عقدين أو ثلاثة، فاحتلوا في أمريكا، أرقى المناصب الفكرية والسياسية، ويدرس أبناؤهم في أرقى الجامعات، بعد أن كانوا لعهد قريب محرومين من دخولها. ثم أعد النظر مرة أخرى، فتأمل في حال المسلمين من قبل في أمريكا، فقد كانوا ولا نظرة سلبية ضدهم مطلقا، ثم انظر لحالهم اليوم وهم يضاهئون اليهود عددا وما تُذكر لهم من حسنات على أمريكا، بل قد اشتهر عنهم غلبة كراهيتهم الباطنة لمن احتضنهم وأكرمهم، وانصراف هواهم لأعداء أمريكا. وعرف عن غالبيتهم تقديم مصالحهم وعدم الاكتراث بمصالح وطنهم الأمريكي الذي أعزهم بعد أن أذلتهم أوطانهم الأم، وآواهم بعد أن نفتهم بلادهم، وأغناهم بعد أن جاؤوا على فقر وعيلة.
- فمهما تخيلنا من مؤامرات ضدنا وضد ديننا وضد شعوبنا، فلن تكون أشد وقعا بما لحق بمعشر يهود. وانظر صبر يهود على دينهم المُحرف، ولا ترغيب بجنة ولا تخويف بنار، بل وعد بجلاء وعذاب إلى يوم القيامة، ونحن موعودون بجنة ورضوان، ونصر من الله وفتح قريب. فهاهم اليهود اليوم وما كان لهم قط من قبل دولة تلم شملهم، ولاكيان يعزهم ويحميهم. وها نحن اليوم وقد مكننا الله الأرض من قبل، فجعلنا ملوك البشر.
وما كان ربك بظلام للعبيد، فقد حفظوا عقلا أضعناه، واعتمدوا على أنفسهم واعتمدنا على غيرنا، وما استسلموا لحتمية جلاء وعذاب واستسلمنا لأساطير مؤامرات نحبكها غدوا وعشيا. فتحملوا مسئولية أخطاء أسلافهم وتحملنا لوم أخطاء سلفنا. فهل أنصفنا ديننا، وهل قمنا بحق شرف حمل راية نبينا؟