أحمد بن عبدالرحمن الجبير
أمور مهمة كانت تميز سمو الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- وهذه الأمور تتمثل ليس وفقًا لتشخيصي، وإنما لمن تعاملوا وشاركوا مع الفيصل كفارس سياسي، وحكيم دبلوماسي عالمي تواضع جم وخلق رفيع، وإخلاص في العمل، وثقة وأمانة ونزاهة، وحكمة واعتدال في قراراته. فقد أكَّد العديد من السياسيين ممن اقتربوا من الفيصل وعملوا معه بأن الرجل مثال للتواضع، والأخلاق الحميدة والقرارات الصائبة.
يقول أحد الصحافيين: إنه في ذات يوم فوجئت بوجود الأمير سعود الفيصل في أحد الفنادق الأوروبية جالسًا وأمامه عديد من الصحف والمجلات، وأستاذنت بالسلام عليه والجلوس معه ووجدته لطيفًا، وودودًا وكريمًا، وفي الأثناء مر بنا شباب من المملكة جالسوه لفترة قصيرة وعندما علم بأنهم قدموا للفندق للاحتفاء بزملاء لهم، طلب الفيصل بأن يكون حسابهم على حسابه.
والأمر الآخر أن الفيصل لديه ذاكرة حادة وبارعة، ولديه سرعة بديهة في الرد العاجل وأحيانًا السخرية المقصودة، التي يجيد استخدامها بعناية تامة، ويروي لي هذا الصحافي بأنه وفي أحد المؤتمرات الصحافية في سنواته الأخيرة، وعندما تهجم رئيس وزراء العراق نوري المالكي على المملكة، حذره الفيصل ألا يلعب مع السعودية، ولم تمض أشهر حتى خرج المالكي من الحكومة العراقية.
الفيصل مدرسة سياسية جامعة، من خلال معرفته الدقيقة بموازين القوى العالمية، ولعل تصريحه قبل زيارة الرئيس الأمريكي بوش الابن التي عمل فيها على تسويق مشروع عسكري إقليمي ضد إيران، كانت كفيلة بإلغاء خطط بوش، فقد صرح الفيصل قبيل وصول بوش الرياض، بأن المملكة ليست في حالة عداء مع إيران، وكانت هذه التصريحات كفيلة بإعطاء رسالة واضحة حول الموقف السعودي.
ولعل رده في مؤتمر قمة شرم الشيخ الأخير، على رسالة الرئيس الروسي، أن روسيا جزء من الأزمة لا يحق لها المطالبة بحلول سلمية، فإن رده القاسي كان قد غير مجرى المؤتمر، وكان رسالة بأن الدبلوماسية مهما كانت يجب ألا تكون على حساب دماء السوريين، وألا تعطي الأسد الفرصة للنجاة، وأيضًا تصريحه حول التدخل الإيراني في اليمن وحديث طهران عن سيطرتها على أربع عواصم عربية كان رائعًا وبارعًا وواضحًا.
لقد قال الفيصل: نحن لسنا دعاة حرب لكن إن دقت أبوابنا فنحن لها، وعندما يقول الفيصل نحن لها، يعني أن قوة السعودية كفيلة بقلب المعادلات السياسية ضد الخصوم، وقال عنه الرئيس صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية استطاع الفيصل أن يجعل العالم العربي والإسلامي والدولي يدعم العراق ضد إيران، ولكنه في غزو العراق للكويت جعل العالم كله ضدي، وقال عنه كولن باول وزير الدفاع الأمريكي: سعود الفيصل يعادل اللوبي اليهودي، بل إنه وحده يعتبر لوبياً سعوديًا، وقال عنه ميخائيل غورباتشوف، لو كان لدي رجل كسعود الفيصل ما تفكك الاتحاد السوفييتي.
وعن علاقته بزملاء المهنة، فقد كان الفيصل مدرسة ورئيس فريق، لم يكن أميرًا فقط بل كان جنديًا يعمل لخدمة مليكه ووطنه وشعبه، لم يكن الفيصل يتجاهل أحدًا، ولهذا يقول عنه معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل بن أحمد الجبير لقد تشرفت بالعمل مع الأمير سعود، ومنذ دخولي الحقل الدبلوماسي لم يكن سموه رئيسًا فحسب، بل كان بمنزلة القدوة والوالد والمربي، ولم يبخل علي بالدعم والنصح والمشورة.
كان الفيصل بليغًا وحكيمًا وأمينًا في عمله، وقديرًا ونشطًا في الدبلوماسية، له مهابته بين وزراء من أقرانه وبعضهم أصبحوا رؤساء، ففي أحد مؤتمراته الصحافية مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، حيث صحح لها الفيصل معلومة مهمة حول موقف سياسي وقانوني فقالت: كلينتون بالطبع لا يمكنني تجاوز الفيصل وقد عاصر عديدًا من وزراء الخارجية ومختلف الأزمات الدولية.
لا نملك هنا إلا أن نسأل الله العلي القدير في هذه الأيام المباركة أن يرحم الأمير سعود الفيصل وأن يسكنه فسيح جناته، كرجل حمل هموم وطنه، وخاض معارك سياسية كبيرة من أجل بلاده واستقرارها، وحول وطنه إلى واحة من الأمن والاستقرار، أن العالم فقد أميرًا فذًا، وقائدًا محنكًا ودبلوماسيًا وسياسيًا معتدلاً همه الدفاع عن قضايا وطنه، وقضايا الأمتين العربية والإسلامية وقضايا العالم المحبة للسلام.