تعامل الجهات الرقابية مع «الودائع الاستثمارية» قد يكون باهظ التكلفة بأعين البنوك الإسلامية ">
الجزيرة - محمد السهلي:
في الوقت الذي تستعد فيه البنوك في أنحاء العالم لتلبية المعايير التنظيمية الصارمة لـ»بازل 3»، تواجه البنوك الإسلامية مصدرًا لعدم التيقن قد يكون باهظ التكلفة، وهو كيف ستعامل الجهات الرقابية ودائع تلك البنوك.
وتبدو البنوك الإسلامية قادرة على التأقلم مع قواعد اتفاقية بازل 3 التي ستطبق تدريجيًا في أنحاء العالم على مدى الأعوام القليلة المقبلة. فمعظم البنوك من الخليج وجنوب شرق آسيا حيث الاقتصاديات قوية. ولأن التمويل الإسلامي يستهجن المضاربة النقدية، فإن ميزانيات تلك البنوك نظيفة بدرجة كبيرة من المشتقات والأصول المعقدة عالية المخاطر التي أغرقت بعض البنوك التقليدية في خضم الأزمة المالية العالمية.
لذا، يفترض ألا تواجه البنوك الإسلامية مشكلات تذكر في تلبية معايير بازل 3 بخصوص الحد الأدنى من رأس المال.
لكن الودائع قد تصبح مصدرًا للمتاعب، فنظرًا لحرمة مدفوعات الفائدة وفقًا لمبادئ الشريعة تستقطب البنوك الإسلامية الودائع في الغالب عن طريق حسابات استثمار بنظام تقاسم الربح ويعتبر هذا النوع بوجه عام أقل استقرارًا من الودائع التقليدية.
ومن المتوقع، أن تكون البنوك الإسلامية مطالبة بموجب قواعد بازل 3 بتعويض أثر ذلك التقلب عن طريق زيادة حجم الأصول السائلة عالية الجودة التي في حوزتها.
غير أن أسواق الأوراق المالية الإسلامية أصغر بكثير وأقل عمقًا وتطورًا من الأسواق التقليدية، مما يؤدي إلى نقص المعروض من الأصول السائلة عالية الجودة المتوافقة مع الشريعة وهو ما يضغط بدوره على البنوك الإسلامية من جهتين.
وقال محمد داماك محلل الائتمان لدى ستاندرد اند بورز في باريس «هذان من أهم تحديات بازل 3 لقطاع التمويل الإسلامي».
أوزان للمخاطر
وبحسب دراسة لتومسون رويترز، بلغت قيمة أصول البنوك التجارية الإسلامية حوالي 1.2 تريليون دولار في نهاية العام الماضي، وهي تشكل نحو ربع الودائع في دول الخليج العربية وأكثر من الخمس في ماليزيا.
وتشترط بازل 3 على البنوك الاحتفاظ بقدر كافٍ من الأصول السائلة عالية الجودة لتغطية صافي التدفقات الخارجة لفترة 30 يومًا في حالة التعرض لضغوط شديدة. وتحسب التدفقات بإعطاء مصادر التمويل بما فيها حسابات الاستثمار أوزانًا متنوعة.
وكلما زادت المخاطر في مصدر التمويل كان حجم الأصول السائلة عالية المخاطر اللازمة كبيرًا.
لذا سيتوقف الأمر بدرجة كبيرة على الأوزان التي ستعطيها الهيئات الرقابية الوطنية في أنحاء العالم المخولة بتطبيق بازل 3 في مناطقها لذلك النوع من الحسابات.
ولم تصدر مؤشرات بعد عن المسؤولين للأوزان المتوقعة. وفي ضوء حرصهم على تطوير قطاعات البنوك الإسلامية لديهم فمن المستبعد أن يحددوا أوزانًا عقابية.
لكن قد يعجزون عن معاملة حسابات الاستثمار على قدم المساواة مع ودائع البنوك التقليدية. وعلى سبيل المثال يقول تقرير لستاندرد اند بورز إن آجال استحقاق حسابات الاستثمار في البنوك الإسلامية تكون في العادة أقصر نسبيًا.
وقال داماك: إن معاملة حسابات الاستثمار ستعتمد أيضًا على عوامل تخص قطاع البنوك الإسلامية في كل دولة مثل كيف كان أداؤها في أزمات سابقة، وسجل البنوك الإسلامية في تمرير الخسائر إلى أصحاب الودائع بموجب العقود المبرمة معهم.
ومن المستبعد على ما يبدو أن تتضح الصورة قبل أوائل سنة 2015 على الأقل، حيث من المتوقع أن يصدر مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا مذكرة إرشادية في الموضوع.
وقال داماك: «سيؤول الأمر في النهاية إلى الجهة التنظيمية في كل دولة كي تبت في معاملة حسابات الاستثمار وهنا تكمن أهمية المذكرة الإرشادية لمجلس الخدمات المالية في مساعدة المسؤولين الرقابيين على تحديد معاملة حسابات الاستثمار».
وقال مصدر مطلع على مشاورات مجلس الخدمات المالية، إن المذكرة ستتناول قضايا مثل الحقوق التعاقدية للمودعين وهل يستطيعون على سبيل المثال سحب أموالهم خلال أقل من 30 يومًا دون غرامة كبيرة.
وأصدر البنك المركزي الماليزي بعض الإرشادات بخصوص حسابات الاستثمار قائلاً إنه سيصنفها إلى نوعين: حسابات استثمار عامة تعادل بوجه عام ودائع الأفراد التقليدية وحسابات استثمار خاصة أو مقيدة تعد مماثلة لحسابات الاستثمار قيد الإدارة. وأعطى البنوك الإسلامية فترة انتقالية عامين للفصل بين النوعين.
لكن بينما حدد البنك المركزي بالفعل النسب والأوزان لقواعد بازل 3 بخصوص كفاية رأس المال فإنه لم يعلنها بعد بالنسبة لمتطلبات الأصول السائلة عالية الجودة لتغطية حسابات الاستثمار.
وتعتقد البنوك التجارية أنها قد تعلن أوائل العام القادم بعد صدور إرشادات مجلس الخدمات المالية الإسلامية.
ووفقا لستاندرد اند بورز، تقول بازل 3 إن بوسع الهيئات التنظيمية الوطنية في أنحاء العالم تحديد نسب تبلغ ثلاثة بالمائة أو أعلى لودائع البنوك التقليدية وما يصل إلى عشرة بالمائة للودائع الأقل استقرارًا.
وقد ينتهي المطاف بمعظم البنوك الإسلامية إلى أوزان في ذلك النطاق ونظرًا لحجم الودائع ذات الصلة فإن أي اختلاف بعدة نقاط مئوية قد يؤثر تأثيرًا كبيرًا في حجم الأصول السائلة عالية الجودة التي سيتعين على البنوك أن تحتفظ بها.
أصول
وقد تزيد مسألة حسابات الاستثمار الضغوط على البنوك المركزية والحكومات في العالم الإسلامي لمعالجة بعض المشكلات القديمة في القطاع.
وإحدى تلك المشكلات نقص معروض الأصول السائلة عالية الجودة. فباستثناء ماليزيا والبحرين يقول داماك: إن البنوك المركزية لا تصدر ما يكفي من الأدوات المصنفة كأصول سائلة عالية المخاطر.
والصكوك الحكومية تصلح لهذا الغرض لكن معظم الصكوك السيادية إما غير مدرج في الأسواق المتقدمة أو غير متداول تداولاً نشطاً مما يجعل حصول البنوك الإسلامية عليها أمرًا بالغ الصعوبة. ويتناقض ذلك مع الأسواق الضخمة للديون الحكومية عالية الجودة مثل سندات الخزانة الأمريكية والألمانية التي بوسع البنوك التقليدية أن تشتريها بسهولة.
وأشار داماك إلى أن بدائل مثل الصكوك قصيرة الأجل التي تصدرها المؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة التي أنشئت للنهوض بسوق عابرة للحدود في الأدوات الإسلامية تظل صغيرة مقارنة مع حجم القطاع.
وفي إطار جهودها لكي تصبح مركزًا للتمويل الإسلامي تعكف دبي على إدراج الصكوك في بورصاتها وتشجيع شركاتها شبه الحكومية على إصدار صكوك قابلة للتداول لكن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يستطيع المعروض مواكبة الطلب.
وقال لرويترز المصدر المطلع على مشاورات مجلس الخدمات المالية الإسلامية «سيكون الأمر صعبًا للبنوك الإسلامية على صعيد أوزان حسابات الاستثمار لكنّ هناك حلولاً أو مسكنات كما يظهر النموذج القطري الخاص بالتأمين على الودائع.