بعض أيام الوداع تُفْرَد لها صفحات في كتاب التاريخ، وأحسب أن يوم وداع راحل الوطن الكبير صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل أحد تلك الأيام التي سيتوقف أمامها التاريخ طويلاً ويجود عليها بأكثر من صفحة من صفحاته، فسعود الفيصل ليس كأي من الراحلين، سعود الفيصل رحلة حياة ارتبطت بالحراك السياسي والدبلوماسي لبلد يشار إليه بالبنان من بين بلدان العالم،
بل لا أذهب بعيداً حين أقول إن الحراك السياسي والدبلوماسي للمملكة ارتبط في لحظات فارقة من عمر بلادنا بسعود الفيصل، واجهة الوطن الأنيقة اللامعة المشرفة، ورجله مرهوب الجانب في المحافل الدبلوماسية العالمية.
وإن العلاقة التي ربطت صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- بأسرة التويجري علاقة جد وثيقة وعميقة ترتقي إلى درجة الأخوة مع معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله-، فرابطة الصداقة التي جمعت هاتين القمتين العاليتين بدأت منذ عهد الملك خالد -رحمه الله-، فكم جمعت الأمير سعود والعم عبدالعزيز التويجري رحلات خارجية حملا خلالها رسائل الملك خالد لرؤساء الدول، وكم جمعتهما اجتماعات تبادلا خلالها وجهات نظرهما في كثير من الشؤون السياسية، حتى بلغ الأمر بالرجلين أنهما أسهما بقوة في تصفية كثير من أجواء الخلافات بين دول في أثناء زياراتهما، ومنها خلافات استعصت طويلاً على الحل حتى وفق الله إليها فارسا الوطن الكبيران اللذان تركا فراغاً كبيراً.
والحديث عن الأمير سعود الفيصل ذو شجون، وهو الذي أمضى ما يربو على أربعين عاماً يخوض غمار ميادين الدبلوماسية العالمية، حتى أصبح نجماً لامعاً في أعلى سمائها، ينظر إليه الجميع بإعجاب وتقدير كبيرين، فها هو ذا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين -رحمه الله- حين سئل: من الرجل الذي تخشاه؟ يقول: سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي. فحينما كنت في حرب إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي.
وقلما تجد مثل هذا الإجماع من السعوديين من جميع الشرائح العمرية رجالاً ونساءً على شخص في شبكات التواصل الاجتماعي والصحف والقنوات مثل هذا الإجماع على شخص سعود الفيصل الاستثنائي.
كان رحمه الله متميزاً في كل شيء في حياته، في تعامله مع الصغير والكبير والخوي والطباخ والمزارع والسائق، فكل من ارتبط بسموه وجد منه تعامل الإنسان الراقي ولمس فيه الأخلاق الإسلامية الرفيعة، أما إنجازاته فلست في حاجة لأن أقول إن الوقت لا يتسع لذكرها، وهو الذي وهب نفسه لخدمة بلاد الحرمين الشريفين، هذا الرجل الأسطورة الذي كان يجالس حراسه ويتناول الطعام معهم وأحياناً يقود سيارته بنفسه ويرفض أن يسير لرحلة بموكب وحرس، ومن أطرف ما سمعت عنه -رحمه الله- أن مكتبه لم يتغير طوال سبعة وثلاثين عاماً.
ويصنف سعود الفيصل ضمن أذكى شخصيات العالم وأشدها دهاءً، بالإضافة إلى ثقافته العالية وإتقانه العديد من اللغات، بل أدهش سعود الفيصل العالم حينما علموا أن الرجل المسلم السعودي يتحدث العبرية، لكن هذا لم ينل من غيرته على دينه وشراسته في مجابهة يهود إسرائيل والداعمين لهم حتى أن كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق قال إنه يعدل اللوبي اليهودي بل إنه لوبي سعودي. وقال عنه وزير خارجية بريطانيا (مليبان) إنه أعطى للسعودية قوة خارجية لا يستهان بها، كما قال عنه رئيس الاتحاد السوفيتي الأخير غورباتشوف: لو كان عندي رجل مثله لما تفكك الاتحاد السوفيتي.
وقال عنه أحد أعضاء الكونغرس إن بوش لو استمع لكلامه فسيغنيه عن كل مستشار بالشرق الأوسط.
ويطول الحديث عن راحل الوطن، الرجل الذي يحتاج إلى دراسات علمية، كما يستحق أن يكرم على المستوى العالمي، فمواقفه الكبيرة جعلت من المملكة العربية السعودية ذلك البلد الذي يتمتع بثقل كبير في المحافل الدبلوماسية العالمية، ولقد كان نعم الرجل في المكان المناسب، فحين يتحدث سعود الفيصل كان الجميع يصغي ويركز، لأن حديث الحكمة قد بدأ، ولأم مدرسة الدبلوماسية العريقة بدأت للتو تقديم أحد الدروس المفيدة التي كان يحرص كبار زعماء العالم على الإصغاء إليها.
نسأل الله عز وجل في هذه الأيام المباركات أن يجعل كل ما قدم سعود الفيصل لبلاده ولأمته في موازين حسناته، وإنني باسمي وباسم أسرتي أتقدم بأحر التعازي لسيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده وأبناء الراحل الكبير وبناته وإخوانه والأسرة الملكية والشعب السعودي الوفي.
تقبل الله طاعات الجميع، ورحم الله سعود الفيصل وأجزل له العطاء، وجعل قراره عليين.
- خالد عبدالمحسن التويجري