يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.. بالأمس القريب تناقلت وسائل الإعلام المختلفة من محلية وعربيَّة وإسلاميَّة وأجنبية نبأ وفاة عميد الأسرة الدبلوماسية الدّوليَّة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- يوم الجمعة 23-9 1436هـ بعد خدمه طويلة تقدر 40 عاماً قضاها في خدمة دينه ومليكة ووطنه وأمته فقد أبدع في هذا المجال وأفنى حياته وشبابه لهذا الوطن المعطاء.. كان نجماً من نجوم الدبلوماسية السعودية ومتجدد دائماً عن كل جديد على الساحة وليس للجمود طريق عليه، حيث إن تاريخه طويل في الدبلوماسية السعودية وقدم الكثير والكثير من الإنجازات العملاقة في تطوير وزارة الخارجيَّة من كوادر بشرية دبلوماسية وإدارية منذ عهد والده الملك فيصل -طيب الله ثراه- وهو يعمل بكل جد ونشاط وحيوية في تطوير تلك الوزارة لتكون رمزاً من رموز العطاء لهذا الوطن العزيز وأخذ طيلة حياته بمثل هذه الوزارة بمثابة مرآة الدولة حقاً، فالمملكة العربية السعودية نظامها ثابت لا يتزعزع وسياستها واضحة وثابتة لا تقبل التلون وهذا يظهر ويتجلى من خلال الدين الصحيح والعلم النقي والعقل الراجح في ظل قادتها ودستورها العظيم.. وهو كتاب الله الكريم وهو راسخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد عاش عميد الأسرة الدبلوماسية الدّوليَّة حياة حافلة بالبذل والعطاء لصالح الأمة.. وكان يتمتع بصداقات أخوية قوية مع أغلب وزراء الخارجية ومع كل من يعمل معه في هذا القطاع الهام سواء على النطاق العربي أو الإسلامي أو الأجنبي والتي عرفت بمهنة المتاعب والعناء والمشقة وكان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل فارسها لما لهذا المركز من أهميَّة كبيرة لصالح الأمة فقد رسم سياسية الدولة السعودية ومساراتها وتوجهاتها على خطى ثابتة ومستقرة تلقى الاحترام والتقدير من العالم الخارجي.
كان عميد الأسرة الدبلوماسية الدّوليَّة علماً من أعلام تاريخ الدبلوماسية السّعوديَّة وظل يحملها في وجدانه وإرادته كما ظلت الدبلوماسية السعودية تحمله في كل منعطف عبر تاريخها الطويل وكان شاهداً وحاضراً وفاعلاً على كثير من الأحداث التي شهدتها المملكة العربَّية السٌّعوديَّة في أعوام وأزمنه معينة وقد نجح خلال تواجده على رأس هرم وزارة الخارجية في توثيق كل مادة دبلوماسية لا تأتي بدون مصادر معروفة وموثوق منها وهذا الأمر جعله يحتل مركز متقدم في المصداقية تفوق الآخرين من الدبلوماسيين أقرانه لن أستطيع من خلال ما ذكرته آنفاً أن أعطى عميد الدبلوماسية الدولية حقه في هذا المقال القصير ولن أستطع أن أتحدث عن أعماله ومواقفه الداخلية والخارجية سواء مع الدول العربَّية أو الإسلاميَّة أو الدّوليَّة.
فقد عرف عن عميد الدّبلوماسية الدّوليَّة -رحمه الله- بأنه محاور متألق يعمل بجد وحزم لا يكل ولا يمل صاحب نفس طويل يملك أبجديات لغة الجسد سريع البديهة يملك وسائل الإقناع إضافة إلى ما حباه الله به من الخصائص الدبلوماسية الفذة التي تظهر جلياً في قراراته الحكيمة وتصرفاته الرزينه ومواقفه الشجاعة وإبداء الاقتدار في الاصطلاح بالمواقف والمسؤوليات الجسام والأعباء الصعاب التي تتناسب مع مكانة المملكة العربية السٌّعوديَّة ووزنها العربي والإسلامي والعالمي وموقعها الإستراتيجي في العالم.
لقد أكرم الله هذه البلاد بوزير خارجيَّة عملاق متعة الله سبحانه وتعالى بصفات كريمة ومزايا عديدة، حيث أنصفت سيرته بجوانب لا فته في شتى المجالات الدبلوماسية والإدارية والثقافية والإنسانية إلى جانب خصائص القيادة الدبلوماسية التي يملكها حيث إنه يُعدّ من القادة الدبلوماسيين القلائل الذين تمرسوا في مختلف فنون الريادة التي تستلهم من موروث هذه الأمة وتراثها العريق فقد ظهرت جلياً قدراته الفذة أيام أزمة الخليج العربي التي أخذت منه وقتاً طويلاً في إصلاح الأطراف المتنازعة بالطرق الدبلوماسية وعودة الحق إلى أهله.
وختاماً: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمد الفقيد -صاحب السمو الملكي الأمير- سعود الفيصل بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله.. وعزاؤنا للجميع في بلادنا الغالية وللأسرة الدبلوماسية السٌّعوديَّة ولأبنائه الكرام ولجميع أهله ومحبيه.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- عبدالعزيز صالح الصالح