فضل بن سعد البوعينين
برغم سيطرة الطاقة على إقتصاد المملكة؛ إلا أن قطاع تدريب وتطوير الأيدي العاملة المرتبطة بها لم يرقى إلى مستوى الكفاءة والطموح؛ باستثناء بعض التجارب المتميزة التي يمكن أن نطلق عليها؛ (شذوذ القاعدة)؛ ما أدى إلى استحواذ الأجانب على الوظائف النوعية في القطاع.
تهتم الدول المتقدمة بوضع إستراتيجية موحدة للتعليم والتدريب التقني لضمان جودة المخرجات؛ وتوافقها مع احتياجات سوق العمل. وفي بعض الدول الصناعية يتم دمج المواد التقنية مع المواد العلمية الأخرى في المرحلة الثانوية؛ كمرحلة إعدادية للتخصص المستقبلي؛ وفق رؤية إستراتيجية شاملة.
كفاءة التعليم التقني لا يمكن تحقيقها بمعزل عن القطاع الصناعي الذي يفترض أن يكون أكثر معرفة باحتياجاته من الخبرات؛ والتخصصات المطلوبة؛ وأكثر اطلاعا على المتغيرات التقنية؛ وإحتياجات سوق العمل. في الوقت الذي تتميز فيه المعاهد المتخصصة بالخبرات التعليمية وفق منظومة متكاملة قادرة على إدارة العملية التعليمية وفق المعايير المنضبطة؛ والدمج الأمثل بين المواد النظرية؛ والعمليات التطبيقية المرتبطة ببيئة العمل عل أرض الواقع.
التميز في قطاع التعليم والتدريب التقني يبدأ من الإستراتيجية والرؤية الشاملة القادرة على وضع الخطط المناسبة لتحقيق الأهداف. خلق مركز التحكم الموحد يسهم في وضع معايير موحدة للتعليم؛ والمهارات المطلوبة؛ والتخصصات والمواد الأساسية؛ ويضمن؛ بإذن الله؛ جودة المخرجات وتكاملها وتوافقها مع متطلبات القطاع الصناعي واحتياجات السوق. تشكيل مركز قيادة موحد؛ أو مجلس أعلى؛ يتكون من أعضاء ينتمون لشركات صناعية كبرى؛ ومنشآت حكومية مشهود لها بالكفاءة التعليمية والتدريبية؛ سيضمن التوجيه الأمثل للبرامج؛ والسياسات والقرارات والمشروعات التعليمية المتخصصة؛ وسيربط بين المعاهد التعليمية وسوق العمل؛ وسيسهم في ربط التدريب بالتوظيف على أسس مسبقة تعتمد الوظائف المتاحة؛ والاحتياجات المستقبلية أساسا لها.
إنشاء مجلس تدريب متخصص في قطاع الطاقة هو ما تحتاجه منظومة التعليم التقني في السعودية؛ وهو القرار الذي تأخر موعده حتى اعتقدنا أنه لن يُتخذ أبدا.
الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز؛ أمير المنطقة الشرقية؛ رعى الأسبوع الماضي توقيع مذكرة التفاهم المشتركة لتأسيس مجلس للتدريب في قطاع الطاقة، يضم أرامكو السعودية؛ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، إضافة إلى كبريات المنشآت المعنية بقطاع الطاقة في المملكة، وفي مقدمها الهيئة الملكية للجبيل وينبع، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة؛ سابك، الشركة السعودية للكهرباء؛ معادن، ومجلس الغرف التجارية؛ الهادفة للإشراف على تدريب وتطوير الأيدي العاملة السعودية في مجال الطاقة. الأمير سعود بن نايف بارك من قبل توصيات «مؤتمر الأحساء الإقتصادي» الذي ركز على الصناعة كخيار إستراتيجي؛ وحَفَّز على إنشاء مدينة صناعية متقدمة تسهم في توفير وتوطين احتياجات قطاع الطاقة؛ والاهتمام بالتدريب لتلبية الطلب المحلي.
أرامكو السعودية أشارت إلى أن قطاع الطاقة يوفر نحو مليون وظيفة؛ وبغض النظر عن ضخامة العدد؛ إلا أن القطاع قادر على خلق مزيد من الوظائف النوعية ذات الأجور المرتفعة. المهندس أمين الناصر، رئيس أرامكو السعودية المكلف؛ أكد على أن «الموارد البشرية المؤهلة ذات الكلفة التنافسية هي عماد الصناعة والتجارة والاقتصاد لأي بلد، ولا سيما إذا كان هذا البلد كبيراً وله دور عالمي مثل السعودية». وشدد على أهمية التدريب النوعي المتوافق مع حاجات السوق، وضمان أجور تنافسية؛ وإيجاد بيئة العمل المناسبة مع توفير الأمن الوظيفي.
إنشاء مجلس أعلى للتدريب سيسهم في ضمان جودة منظومة التدريب والتأهيل؛ وبالتالي توفير القوى العاملة المدربة التي ستساعد في تلبية طلبات الشركات الصناعية؛ ومنها الشركات العالمية التي تواجه تحدي توفر الأيدي العاملة المدربة التي تساعدها على إنجاز العمل من جهة؛ وتحقيق معايير السعودة من جهة أخرى.
التوسع في إنشاء المعاهد الصناعية المتخصصة وفق شراكات عالمية ومحلية سيسهم في زيادة حجم المختصين في قطاع الطاقة؛ ورفع كفاءتهم؛ في الوقت الذي سيسهم فيه مجلس التدريب بوضع السياسات والأطر العامة لمنظومة التدريب في قطاع الطاقة؛ وبما يضمن توافق المخرجات مع إحتياجات القطاع الصناعي؛ وسوق العمل.
التعليم عماد التنمية الاقتصادية المستدامة؛ والتدريب التقني هو الرافد الأهم للقطاع الصناعي بشكل عام؛ وقطاع الطاقة الذي يسيطر على اقتصادنا الوطني؛ بشكل خاص. الإهتمام بمخرجات التعليم والتدريب سيضمن بإذن الله توفير قوى بشرية قادرة على تحقيق أهداف التنمية الصناعية التي اعتبرتها المملكة؛ خيارها الإستراتيجي الأول.