د. عبدالرحمن الشلاش
لدى بعض الناس قناعات عجيبة وغريبة فبمجرد دفعه مبلغا من المال مقابل اشتراك في خدمة ما تقدم لمجموعة من الناس يتصور أنه ملك كل الخدمة وعلى من يعملون أن لا يتوانون في تقديم الخدمة له قبل غيره، ولو حدث أن تأخر موظف في خدمته قلب الدنيا وسب وشتم وارتكب كل الأخطاء بحق العاملين دون وجه حق. «أدفع ومن حقي أن أخدم قبل غيري» فكر متخلف يتجاهل بقية البشر، كنا سابقا نعاني كثيرا من الذين يتجاوزون الطوابير ويبحثون عن أي أحد يقدمهم على غيرهم وحين طبقت بعض الدوائر والمؤسسات نظام الأرقام صاروا يتحايلون بمساعدة الموظف المسئول ليكونوا في الصدارة. كنت يوما في الجوازات وحين دخلت صالة السعوديين أخذت رقما وجلست بانتظار دوري وأثناء جلوسي أمام الموظف لاحظت حركة غريبة إذ جلس بجانبي شخص يتأبط أوراقه وفي هذه اللحظة توقف الموظف فجأة عن تحريك الأرقام فقام هذا الشخص واتجه للموظف وسلمه الأوراق فأنهى إجراءاته خلال خمس دقائق.
هذا الشخص وبمشاركة الموظف تسبب في تأخير العشرات من المنتظرين وأخذ دور غيره وارتاح من عناء الانتظار دون وجه حق ومثله كثير. منحه هذا الدور غير المستحق معرفته بالموظف وفي أماكن أخرى من العالم تقدمه فلوسه. مثل هؤلاء ومن فرط أنانيتهم لا يحترمون النظام بل أنهم سبب مباشر في أي فوضى أو تأخير.
تذهب لنادٍ رياضي من الأندية التجارية المنتشرة مثلا في مدينة كبيرة ومترامية الأطراف مثل الرياض، وتدفع رسوم اشتراك ثم تنتظم مع غيرك في برامج النادي ووفقا لنظامه فتفاجأ بشخص يحضر متأخرا وربما يصل في آخر التمرين ويدخل دون حتى أخذ أذن من المدرب لأنه دافع فلوس وليس لأحد الحق في منعه من وجهة نظر معاليه طبعا، ولو حدث أن طلب منه المدرب عدم الدخول كي لا يؤثر على سير التمرينات ويشتت أذهان زملائه لربما رفع صوته وتسبب في إيقاف كل شيء ووتر الجو وخلق مشكلة من العدم. أذكر مدير نادٍ رياضي تجاري يتمتع بقوة الشخصية قام بطرد واحد من هذه النوعيات بسبب ما أحدثه من فوضى في المسبح وإزعاج لمجموعة من المشتركين سلمه المبلغ الذي دفعه وطلب منه مغادرة النادي. أعجبني كثيرا تصرف هذا المدير وظل عالقا في ذهني لو أقدم أي مدير يصادف واحدا من نوعية «على كيفي بفلوسي» واتخذ قرار قويا مثل هذا فسيلتزم غيره ويعرف أنه سيكون بين أن يحترم النظام أو يغادر غير مأسوف عليه.
هناك من الناس من لا يفرق بين بيته وحلاله الخاص وبين الأماكن العامة التي هي ملك للجميع والأولوية فيها لمن يأتي أولا، ودفعك للفلوس أو النقود لا يعني أن تتعدى على حقوق غيرك فهم دفعوا مثلك تماما وبالتالي لهم نفس الميزات إن كان في نادٍ أو فندق أو مطعم أو محل تجاري أو حديقة. من الذوق أن تحترم كل الواقفين في الطوابير، وكل الجالسين في انتظار الدور حتى المراجعين في المستشفيات فأولويتك يحددها وقت حضورك وليست فلوسك!