علي الصراف
لا تحارب السعودية في اليمن من أجل نفسها. فحياضها آمنة، ومكانتها عزيزة، واستقرارها محفوظ.
ولكنها تحارب من أجل ثلاثمئة مليون عربي، في مواجهة مشروع للتخريب نجح في أن يلتهم بلدين عربيين كبيرين ويحولهما مسلخ لسفك الدماء.
لا تحارب السعودية من أجل نفسها، بل من أجل مليار ونصف المليار مسلم يتهددهم خطر واحد، هو مشروع طائفي، أثبت أنه صنو للإرهاب وشريك له، وكلاهما يريدان لهذه الأمة أن تتمزق وان تغرق في بحر من الدماء.
ولا تحارب السعودية من أجل نفسها، ولكنها تحارب من أجل السلام والاستقرار الدولي، بكل معنى من معانيه. ذلك أن بؤرة البركان التي يريد اصحاب المشروع الطائفي أن يضعونا بها، لا تهدد دول المنطقة وحدها، بل العالم بأسره.
السعودية ومن خلفها كل دول التحالف العربي، إنما تخوض حربا من أجل وقف مسار الكارثة في اليمن، تلك التي تم فرضها على العراق لأكثر من عشرة أعوام، كما تم فرضها على سوريا لأكثر من خمسة أعوام.
لقد مضى المشروع الطائفي الايراني في العراق ليعيد بناء الهويات، ويعيد صياغة التوصيفات الاجتماعية، ليجد العراقيون أنفسهم أمام خارطة وجود مختلفة.
وبالأحرى، فقد بدأ التأسيس لدولة داعش في العراق منذ أن بدأ التأسيس لدولة الولي الفقيه. ومنذ أن تم محو الهوية الوطنية للعراقيين، ليجدوا أنفسهم أمام تعريفات أخرى، وأمام علاقات أهلية أخرى.
لقد أصبح المذهب هو الهوية، وليس الانتماء لوطن جامع.
وكان هذا بحد ذاته مشروعا لخارطة ديمغرافية جديدة.
وعلى أرض الواقع، فقد كان من شأن هذه الخارطة أن تسمح بسلسلة ضخمة من عمليات التهجير والسلب والنهب والحرق والتدمير لمناطق عدة في البلاد كانت تعيش بأمن وسلام مع نفسها، ومع معتقداتها.
وعدا عن سياسات الإقصاء والعزل والتهميش، على أسس طائفية، فقد كان من شأن هذا المشروع أن يضع ملايين العراقيين أمام خيارين أحلاهما مر، هما، إما أن يتحولوا الى مواطنين من الدرجة العاشرة أو أن يغادروا البلاد الى غير رجعة. وغادر خمسة ملايين إنسان!
هدم الهوية الوطنية، وإحلال الهوية الطائفية محلها، لم يعن هدما للاستقرار الاجتماعي فحسب، ولكنه تحول الى مشروع لهدم الجغرافيا السياسية للبلاد برمتها، حتى لم يبق من معناها أي شيء.
وحيثما تتبدل الهويات، فهل كان من الممكن أن تبقى الكيانات؟
وعندما يسود الانحطاط في ثقافة المجتمع، ويعلو الفساد ليصبح هو المؤسسة الحاكمة، فهل كان يمكن لأي أحد أن يتوقع رد فعل على الانحطاط إلا من مستوى الانحطاط نفسه؟
على هذا الأساس، لم يكن من العجيب أن تظهر دولة داعش. العجيب هو أن لا تظهر. فالانحطاط الطائفي، في بيئة يسودها الجهل والفساد، كان لابد أن يستولد أخاه.
قصارى القول، إن المشروع الطائفي الذي قادته إيران في العراق لم يؤد الى تفجير البلد برمته فحسب، ولكنه زرع بذرة الشر والتمزقات لتمتد الى كل مكان في العالم الإسلامي أيضا.
وما تزال طهران تسقي تلك البذرة بسيل مشهود من دماء الأبرياء.
فهل تحارب السعودية من أجل نفسها، أم من أجل أولئك الأبرياء الذين لم يلتهم الحريق ثيابهم بعد؟
الواقع الذي لا بد من رؤيته هو أن السعودية، ودول التحالف العربي، تضحي من أجل أمتها جمعاء، لا من أجل نفسها بالذات.
والواقع الذي لا بد من رؤيته هو أنه كلما أغارت طائرة سعودية على موقع من مواقع المشروع الطائفي في اليمن، فانها تحمي أطفالا من القتل، وشيوخا من التشرد، ونساء من الترمل، وشبانا من الضياع في كل مكان.
انها تحمي مجتمعات بأسرها من الخراب والدمار.
إنها تحمي مليار ونصف المليار مسلم من العيش في بؤرة البركان.