علي الصراف
لا توجد شعوب مظلومة أكثر من الشعوب الإيرانية التي يحكمها نظام قائم، بطبيعته على الجمع، دفعة واحدة، بين كل أنواع التمييز الطائفي والعرقي والديني واللغوي والثقافي والمدني.
لا شك أن هناك شعوبا أخرى تقع تحت سطوة الظلم، إلا أن الظلم لم تكتمل دورته مثلما اكتملت في إيران الملالي الذين يحكمون 75 مليون إنسان على واحد أو أكثر من أساسات الظلم تلك.
فإذا كان ذلك لا يكفي فإن سلطة «آيات الله» (معاذ الله) لا تضارعها سلطة، الأمر الذي يجعل المجتمع برمته ضحية لنمط استثنائي من الشمولية المذهبية- السياسية التي تنسب احكامها وخرافاتها وطغيانها إلى الله، والله منها براء.
مع ذلك، تجرأ «فقيه الولاية» في أحد آخر تصريحاته، على القول إن «شعوب اليمن والبحرين وفلسطين هي شعوب مظلومة ونحن ندعم المظلوم بأي قدر نستطيع.»
«بأي قدر نستطيع» تنطوي على اعتراف ضمني على استطاعة القليل لهذه الشعوب تحديدا.
وهذا من حسن الحظ لأن إيران لو استطاعت أن تقدم الكثير مثلما قدمت للشعبين العراقي والسوري، على امتداد السنوات الماضية، فإن «شعوب اليمن والبحرين وفلسطين» ما كانت ستبقى على قيد الوجود.
وسأقدم إشارات لدليل متاح، وأرجو ممن يستطيعون المساعدة في استكمال الحسابات أن يدققوا في الأرقام، ليتأكد القاصي والداني أن مساعدة إيرانية مماثلة لـ»شعوب اليمن والبحرين وفلسطين» ستكون كفيلة بفنائها، حسابياً على الأقل.
يبلغ عدد سكان العراق نحو 25 مليون إنسان.
ومنذ العام 2003 حتى الآن تم تهجير 7 ملايين إنسان، أي ما يعادل 35% من مجموع السكان، 5 منهم باتوا مشردين خارج البلاد، أي ما يعادل 20% من مجموع السكان.
وهناك مليون و700 ألف أرملة، فإذا كانت كل واحدة منهن دليلاً على أسرة محطمة، فإن هذا العدد يعني أن هناك مليونا و700 ألف أسرة محطمة، وبافتراض أن مجموع الأسر في العراق يبلغ 5 ملايين أسرة (بمعدل 5 أفراد للأسرة الواحدة) فإن ذلك يعني أن 34% من مجموع الأسر في البلاد قد تحطمت.
وهناك مؤشرات تتحدث عن وجود 6 ملايين يتيم، معظمهم لا يذهبون إلى المدارس. وهو ما يصل إلى 24% من مجموع السكان.
ويبلغ معدل ساعات الحصول إلى الكهرباء في العراق نحو 8 ساعات يومياً، والنسب تتفاوت بين المناطق. أي ان العراقيين فازوا (بفضل المساعدات الإيرانية) بـ 16 ساعة من الظلام يوميا، منذ أن «وفقهم» الله بالحصول على مليشيات وضعت أزرار المصابيح في طهران.
ومر على سجون المليشيات والحكومات التابعة لطهران أكثر من 450 الف إنسان تعرض معظمهم لأعمال التعذيب وأبشع صور الانتهاكات، وبقي ثلاثة أرباعهم في السجون لسنوات طويلة من دون محاكمة.
وتتحدث لجان الرقابة الحكومية عن أرقام فلكية للأموال المنهوبة تجاوزت، حسب بعض التقديرات، 100 مليار دولار.
وأصبح ثلث البلد خاضعاً لسلطة الإرهاب، فيما ثلثه الآخر خاضع لسلطة الأحزاب الطائفية التي تدين بالولاء لطهران.
وعدا عن أعمال التدمير والقصف العشوائي للمدن فإن مساعدات إيران للعراق لم تشمل بناء جسر ولا إقامة مستشفى ولا إنشاء جامعة. وبالأحرى فقد شنت مليشيات إيران وعصاباتها حملات قتل منظمة أدت إلى تصفية المئات من خيرة الخبراء والعلماء والفنيين العراقيين، وأدت إلى تهجير ثلاثة أرباع بنية النخبة المتعلمة ليبقى البلد تحت رحمة سقط المتاع من الجهلة والأميين، ومزوري الشهادات.
ولا تسأل عن «المساعدات» التي قدمتها إيران للشعب السوري الذي لم يدخل في حساب «الولي الفقيه» بين الشعوب المظلومة! رغم ان ثلثي سكانه باتوا مشردين داخل وخارج البلد. وشهدت العديد من المدن فيه خرابا يناهز إلقاء قنبلة نووية من وزن قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، في عدة مدن كبرى والعشرات من البلدات التي تحولت إلى أطلال، ولم تعد صالحة للسكن.
وهذا خراب لو أمكن نقل جزء منه إلى اليمن والبحرين وفلسطين، فلربما ما بقي فيها عمران!
وتدل الوقائع ان إيران تستطيع أن ترسل مساعدات من أجل بناء عصابات وتنمية مليشيات لإقامة مشاريع هدم، ولكنها لا تملك ما يكفي من المال لتقديم مشاريع إعمار.
وبرغم كل الجعجعة، فإن أحدا لم يسمع عن قيام إيران ببناء حائطين لمدرسة في فلسطين. ولكنها أرسلت قذائف صوتية لتوفير الذريعة لإسرائيل لهدم الباقي.
أفهل نشكر «الولي الفقيه» على أن مساعداته التي لم تصل إلى «اليمن والبحرين وفلسطين»، لم تسفك بعد كل تلك الدماء، ولم تتسبب في كل ذلك الدمار؟