عبدالعزيز بن سعود المتعب
مؤسف أن يُعَمِّم البعض أن محبة المصالح طغت على المحبة في الله بين الناس، فمنذ نشأة الخليقة والحالات متعدِّدة بأسبابها في كل زمان ومكان، بل إن من حالات المحبة في الله ما خلّدها تاريخ الشعر في الماضي ووثّقها في الحاضر، وجاء في رياض الصالحين من كلام سيِّد المرسلين لفضيلة الشيخ العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين 2-361 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً له في قرية أُخْرى، فأرصد الله على مَدْرَجَتِه مَلَكاً، فلما أتَى عليه قال: أيْنَ تُرٍيدُ؟ قال: أُرٍيدُ أخاً لي في هذه الْقَرية. قال: هل لَكَ عليه من نِعْمَةٍ تَروبَّها عَليهِ؟ قاَلَ: لا، غَيَرَ أَنِّي أحبَبْتُهُ في الله تعالى، قال: فًإنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ بأنَّ اللهَ قَدْ أحبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فيه) رواه مسلم.
يقال: (أرْصَدَه) لِكَذَا: إذّا وَكَّلَهُ بحفظه، و(المَدْرَجَةُ) بفتح المِيمِ والرَّاءِ: الطَّريقُ، ومعنى (تَرُوبُّها) تَقُومُ بها، وتَسْعَى في صَلاحِهَا.
والكمال ليس من صفات البشر بأي حال لذا فالمحبه في الله يجب الاَّ تخضع للتطلّب والتشرّط في البحث عن مثالية مطلقة والتذرّع بأن انتفاء شروطها في شخص الآخر يُحتِّم بدوره كلَّ الخيارات غير المبرره تجاهه، يقول الشاعر أبو العتاهية:
أَتَطْلُبُ صاحباً لا عَيْبَ فيهِ
وأَيُّ الناسِ لَيْس لَهُ عُيُوبُ
ولطالما - ندم من ندم - على فراق أخ له أحبه في الله لا يُعوّض وهو ما يتماهى مع قول الشاعر الفرزدق:
يَمْضي أَخوكَ فلا تَلْقَى لَه خَلَفاً
والمالُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمالِ مكْتَسَبُ
والشعر الشعبي يزخر بنماذج رائعة في هذا الشأن منها أبيات من قصيدة للشاعر محمد بن مسلم - رحمه الله- يقول فيها:
وللصاحب الصافي حقوقٍ لوازم
خمسٍ وهي في سمت الأجواد واجبه
إلى زار إكرامٍ وإلى صد نشده
وإلى زلّ غفرانٍ وإلى غاب كاتبه
والخامسه إن جاك في حد عازه
بْتصفِّق به الدنيا واشافيه لا غبه
تلقَّاه بالمجهود وعجِّل فربما
تحمد مكافاته إلى جتك نايبه
فما البر بين الناس إلاَّ ذخيره
كما قال ربك والأحاديث جاتبه
وما الوجه إلاَّ طول فترٍ وعرضه
إلى ضاع من يعطيك وجهٍ تعاض به