جاسر عبدالعزيز الجاسر
بوادر نجاح أعداء الأمة الإسلامية في تفتيت القوة الإسلامية، وإيجاد شرخ كبير بين المسلمين هو في تطوير حماس الشباب الإسلامي وتوظيفه عبر نصرة الأمم الإسلامية لبعضها بعضاً من خلال جهاد المسلمين والذي استيعد بقوة في حرب تحرير أفغانستان، إلا أن ذلك الجهد الذي كان في بدايته محموداً وحقق ما عجزت عنه القوة العظمى المنافسة الأخرى (أمريكا) في إخراج السوفيت من أفغانستان والجهاد الإسلامي الذي حقق تحرير أفغانستان وُظف (سلبياً) ضد الأمة الإسلامية، فالإضافة إلى معاداة أنظمة الحكم الإسلامية وتحويل الشباب الإسلامي إلى شيع وأحزاب ومليشيات، نبش التاريخ الإسلامي ليسلط الأضواء على الخلافات الإسلامية التي مضى عليها أربعة عشر قرناً لتثار في العصر الحديث، وصُوِّر للشباب المسلم أن الجهاد يبدأ من خلال تنقية الأمة من الداخل، وعاد تصنيف (الرافضة) إلى الواجهة، ورديفه الآخر (النواصب) ليشكِّل الخلاف بين الطائفتين الإسلاميتين الأكثر عدداً. ومثلما أوضحنا في المقالة التي سبقت هذه المقالة أمس السبت، فإن الجهاد الإسلامي في أفغانستان قد فرَّخ لنا منظمات وجماعات مسلحة امتهنت العنف المسلح بعيداً عن الجهاد، وهذا العنف المسلح، وبدلاً من أن يتوجه لأعداء المسلمين وهم كثير، اتجه إلى بعضنا الآخر، ونشطت جماعات القاعدة وطالبان وبوكو حرام وأخيراً داعش لقتل المسلمين، وقد رُفدت هذه الجماعات المسلحة بأحزاب وجمعيات سياسية اتخذت نهج الإسلام السياسي مجالاً لعملها، ومثلما أوضحنا لأن أهل السنة هم الأكثرية الإسلامية فقد نُسبت هذه الجماعات بشقيها المسلح والسياسي لأهل السنة، وهو ما اعتبره الشيعة خطراً يهددهم ويستوجب مواجهته بالأدوات نفسها والفكر ليكونوا هم أيضاً تنظيمات قتالية وأحزاباً سياسية، مما أوجد جبهة من داخل البيت الإسلامي معادية للمكون الآخر عملت وأكملت تعميق شرخ الفتنة الطائفية، والذي زاد من خطورة هذه التكوينات أنها تميزت عن منظمات ومليشيات وأحزاب المكون السني، أن هذه الجبهة التي أطلقت المنظمات والمليشيات والأحزاب الشيعية، التي حظيت بدعم ومساندة نظام ملالي إيران الذين يحكمون دولة قادرة مالية ولها امتدادات فكرية ومذهبية يغذيها عداء تاريخي للمسلمين العرب، وقد استعاد ملالي إيران حالة العداء الفارسي للعرب من عهد الدولة الصفوية ليصوغوه في تكوين أحزاب ومليشيات ارتدت عباءة المذهب لإعادة التموضع العنصري فأحيت أحزاباً بإعادةسميتها بأسماء جاذبة وأنشأت أحزاباً عقدت قيادتها لشخصيات عربية ذات أصول فارسية، فأصبح الحزب الفاطمي العراقي حزب الدعوة بقيادة فارسية تحمل وثائق عراقية، وحزب الثورة الإسلامية الذي وُضع أساسه التنظيمي في إيران من قبل باقر الحكيم الطباطبائي ليرثه أخوه عبد العزيز بعد مقتله عند عودته إلى العراق، وبعد وفاة عبد العزيز بعد مرضه الذي لم يمهله طويلاً لرئاسة هذا الحزب الذي كان تابعاً لولاية الفقيه، وصل الأمر إلى رئاسته الشاب عمار الحكيم.
هذا الحزب كانت منظمة بدر تعمل تحت مظلته، إلا أن توجيهات طهران قضت بأن تكون هذه المنظمة المسلحة والتي تملك مليشيات مدربة، دربت وأعدت في إيران وبإشراف الحرس الثوري من خلال ضمها إلى فيلق القدس وحملت اسم فيلق بدر الذي كانت عناصر أولى القوات الإيرانية التي اخترقت الحدود الإيرانية العراقية إبان الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق.
وفيلق بدر التي تعد أكثر المليشيات الإرهابية عنفاً وقتلاً للعراقيين أسندت قيادتها للجنرال هادي العامري الذي يحمل الجنسية الإيرانية وله راتب على جدول مرتبات الحرس الثوري الإيراني، وظل على رتبته وانتمائه للحرس الثوري الإيراني حتى عندما كان وزيراً للمواصلات في حكومة نوري المالكي الثانية. خلع منظمة بدر وفيلقها المليشاوي من آل الحكيم الطباطبائي وضمها إلى نوري المالكي وهدفه تقوية المليشيات المؤيدة لإيران في مواجهة المليشيات الشيعية ذات الصبغة العربية التي كان أبرزها مليشيات الصدر والتي حملت مسميات عدة من أهمها مليشيات جيش المهدي، وهذا ما شجع على تفريخ وإنشاء العديد من المليشيات المسلحة الشيعية التي ضمت الآن في جيش مليشاوي موحد أسموه الحشد الشعبي.