محمد سليمان العنقري
قبل أسبوع بدأ عمليا السماح بالاستثمار الأجنبي المباشر من الخارج، وكانت التوقعات المتداولة في أوساط السوق تتوقع زخماً كبيراً بالتداولات بداية من اليوم الأول، مع أمل بارتفاعات كبيرة ومتتالية، وخصوصاً في أوساط المتعاملين الأفراد بالسوق، إلا أن البداية كانت على عكس توقعاتهم، وهبط المؤشر في أول يوم إلى نهاية الأسبوع. ومن المهم أن يقوم كل مهتم بالاستثمار والمضاربة بالسوق المالية بإعادة قراءة هذا الحدث الذي يعد تحولاً مهماً في تاريخ السوق المالي بعيداً عن التأثير العاطفي أو الشائعات.
فتأثير هذا التطور مهم بالسوق المالي بالرغم من أنه أشبع تحليلاً وطرحاً منذ أن أُعلنت الموافقة على فتح السوق للاستثمار الأجنبي المباشر من الخارج قبل أقل من عام، إلا أن النظرة العامة كانت ترى تفاعلاً قوياً منذ اللحظة الأولى لانطلاقته، ثم تحولت باتجاه معاكس لحالة التفاؤل العارمة؛ لتصبح أقرب للتشاؤم من أنه لن يؤثر كون البداية ضعيفة. وفي كلا الاتجاهين لم تكن الرؤية كما يفترض أن توضح الأثر الحقيقي من ناحية حجم السيولة وحركة المؤشر.
ومما زاد من ردات الفعل السلبية التصريحات التي أطلقتها بيوت خبرة مالية عالمية مهتمة بالسوق المالي السعودي، ونقلتها وسائل إعلام أجنبية عن أن السوق مسعر بقيم مرتفعة، أو بعضهم ذكر أنهم سيتريثون حتى تتضح الصورة أكثر لهم، ويقصدون بذلك أن يستطيعوا جمع المعلومات الكافية عن الشركات، وكذلك التحليلات الاقتصادية؛ ليحددوا استراتيجيتهم بالسوق مستقبلاً. كما أن بعض التصريحات المحلية أوضحت أن التراخيص للمستثمر الأجنبي ستُعلَن بتقارير دورية، وأيضاً أطلقت بعض المؤسسات المالية تصريحات تقول إن المستثمر الأجنبي سيستمر حالياً بالاستثمار عبر اتفاقية تبادل المنافع المعمول بها منذ سنوات، التي لا علاقة لها بضوابط المرحلة الجديدة، أي أنه يشمل من لا تنطبق عليه ما ورد بلوائح الاستثمار المباشر من حيث حجم الأصول التي يديرها أو خبرته.. إلخ.
خلاصة كل ما واكب بداية السماح للمستثمر الأجنبي توضح أن الحكم على أول المرحلة الجديدة أقرب ما يكون لمفهوم المضارب الذي يتحرك بالسوق بسرعة، ويتعامل مع السهم وحركته وليس الشركة كاستثمار متوسط أو طويل الأمد.
فالسماح للاستثمار الأجنبي المباشر من الخارج وللاستثمار المؤسسي يقصد به البُعد الطويل الأمد؛ لأنه سيستمر، ليس لفترة أو مرحلة قصيرة، وهو استكمال لاندماج اقتصاد المملكة مع الاقتصاد العالمي، وأبعاده متعددة؛ ولذلك لن تأتي تلك المؤسسات للسوق إلا بعد أن تكون قد حددت استراتيجيتها؛ ولذلك من الطبيعي أن تضخ أموالها بالسوق على مراحل زمنية طويلة؛ فمحافظ الأفراد لا تدخل بكامل السيولة دفعة واحدة، فكيف يمكن أن يتوقع قيام مؤسسات استثمارية متمرسة بأن تقدم على ذلك من أول يوم أو حتى شهر من البداية الفعلية للسماح لها بالاستثمار، كما أن تلك المؤسسات لن تبلغ المتعاملين عن توجهاتها وحجم ما سترصده للاستثمار أو متى ستبدأ فعلياً بضخ الأموال في الوقت الحالي.
المبالغة بالتفاؤل التي سبقت تاريخ 15/ 6/ 2015، وهو التاريخ الذي سيحفظ كأول يوم لبداية تعاملات الاستثمار الأجنبي من الخارج، قابلها مبالغة بالتشاؤم من أثر دخول المستثمر الأجنبي بعد انطلاقته، وهي تعد حالات طبيعية بالأسواق الصغيرة عالمياً، التي تسعى إلى أن تصنف كناشئة؛ كون التعامل الفردي يطغى عليها؛ ما يضعها في ضعف من كفاءة التسعير وتقييم وتقدير وتحليل كل حدث جديد بالسوق، ولكن المؤكد هو أن السوق لم يعد كما كان، واستراتيجية المستثمر المحلي المتخصص، سواء صناديق أو محافظ كبيرة ستتغير؛ كون المنافسين زادوا وتنوعوا لصالح المحترفين من الخارج؛ ما يضع السوق المالي في طريق جديد، وستظهر آثار تلك التحولات في المديَين المتوسط والبعيد على كل جوانب السوق، بما فيها احترافية الكوادر البشرية والتقارير المالية والأبحاث والشفافية والصناعة المالية والاستثمارية باقتصادنا بشكل عام.