هاني سالم مسهور
تخوض الحكومة اليمنية في جنيف معركة سياسية لا تحمل بوادر نجاح كنتيجة طبيعية لحالة التباين بين الأطراف المتنازعة في الأزمة اليمنية، هذه الأطراف التي لا تزال تمارس السياسة من باب المزايدة على وقائع ومعطيات لا تتماثل مع حقيقة الارتهان السياسي اليمني نحو الاستقواء بالأحزاب والمنظومة الاجتماعية التي تشكّل فيها القبيلة عنصراً عميقاً، وهي القبيلة التي تداخلت مصالحها مع مرجعيات السياسة والتي بدورها تقتات من الطائفية ما يمكن لها القيام بدورها تجاه كل مرحلة من مراحل اليمن السياسي.
الحالة اليمنية السياسية التي تواصل عبثيتها المستدامة تكرر بإصرار وتعنت تجارب اليمن السياسي منذ نشوئها في العصر الحديث من 26 سبتمبر 1962م فهذه الحالة التي لا يتوافق منهجها مع المسؤولية الوطنية والالتزام القومي، بل الانضباط تجاه الآخرين هي التي تخوض فيها حكومة اليمن الحالية عندما تتوافق رؤيتها السياسية مع تلك الرؤية الضيقة الأفق التي يحملها الحوثيون الذين قرروا الذهاب إلى جنيف يحملون كل العبث والقتل والتدمير والفوضى في محاولة لتجنب دفع الثمن عمّا صنعوه باليمن.
التقييم لهذه المرحلة السياسية يرتبط كلياً بمدى واقع الأرض التي تقول إن ما حدث في 21 سبتمبر 2014م لم يكن سوى نتيجة طبيعية لأخطاء متوالية ارتكبها النظام السياسي اليمني الذي لم ينتهز المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ويجعل منها تأطيراً صحيحاً لعملية سياسية تخرج اليمن من الارتهانات الضيّقة إلى فضاء سياسي يقود إلى استقرار يؤدي لتنمية تجعل من هذا اليمن مطمعاً لدول الجوار لضمه إلى منظومته السياسية في دول مجلس التعاون الخليجية.
كان اليمن قد تقدّم بطلب العضوية ولكن في إطار الفوضى السياسية والفساد الاقتصادي، ولم يخف الخليجيون توصيفهم لحاجة اليمن إلى تأهيل ليكون شريكاً معهم، والخليجيون يدركون أكثر من غيرهم ما يمثّله اليمن من عمق سياسي إستراتيجي لذا لم يرفضوا الفكرة وحاولوا بما يمكن لكن ممارسات النظام اليمني السابق جعلت من اليمن مصدراً لتصدير الإرهاب والمخدرات، بل إن النظام اليمني ذهب إلى ما هو أبعد بالتواصل مع طرف معاد للخليج عبر الاتصال مع الإيرانيين في ضرب للأمن القومي العربي.
اليمنيون فشلوا في انتهاز مؤتمر الحوار الوطني عندما اعتبروا أن المؤتمر هو وسيلة لممارسة الارتزاق السياسي فلم يضعوا حلولاً حقيقية لمشكلات اليمن المختلفة وعلى رأسها القضية الجنوبية والتي شكلت المحور الأهم في الخلل السياسي القائم، فتم تجاوزها عبر مخرجات الحوار الوطني من خلال عشرين نقطة التزم بها المؤتمر ولكنها بقيت حبراً على ورق ولم يتم العمل على تنفيذها لأن النظام كان وما زال حتى الآن لا يرى في القضية الجنوبية غير أنها تركيب لكامل اليمن بينما أن هذه القضية لها جذور تتجاوز حرب صيف 1994م ونتائجها.
ومع ذلك الفشل المتراكم والمتوالي وجدت الرياض نفسها في توقيت صعب أخذت فيه قراراً حاسماً بإعلان عملية «عاصفة الحزم» وذلك لإنقاذ اليمن برمته من حالة اختطاف سببها ليس الحوثيون وحدهم، بل المنظومة السياسية اليمنية كلها فهذه المنظومة كانت على علم ومعرفة بمخططات الحوثيين وتحالفهم مع الإيرانيين منذ العام 2004م على الأقل، ومع ذلك دخل اليمنيون في توقيع (اتفاق الشراكة والسلم) وهو الاتفاق الذي جعل من الإيرانيين شركاء مكتملي العضوية في النظام اليمني حتى أكملوا انقلابهم السياسي وفرضوا على الأرض واقع اليمن المأزوم، وكان لزاماً على المملكة العربية السعودية مع حلفائها أن تخوض «معركة عدن» لتستعيد اليمن وتحافظ على الأمن القومي العربي الذي كان مهدداً في باب المندب.
على اليمنيين أن يكونوا صرحاء مع ذواتهم، فالعبثية السياسية هي التي قادتهم وتقودهم على مدى التاريخ للوصل إلى هذا الانسداد المؤدي إلى معارك لا تنتهي بغير توافق بين القوى المتصارعة تتحاصص فيه بموجب ما تمتلك من قوة على الأرض، تلك العبثية وهي تذهب إلى مؤتمر جنيف تحت بند المزايدة السياسية من الطرف الحكومي وكذلك الحوثي لم تؤد إلا لتكرار للحالة السورية والتي تعيش انسداداً آخر لن ينتهي بغير ما سينتهي في العراق واليمن.
اليمن فعلياً لم يعد قادراً على أن يكون واحداً، ومعركة عدن التي بدأت منذ 26 مارس 2015م وصمود أهلها وتضحياتهم لا يمكن أن تكون خاضعة للمساومة السياسية المعتادة، لقد تحمّلت دول التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مهمة إنقاذ اليمن والتزمت بأنها لن تترك اليمن لمطامع الآخرين، وهذا لا يعني أن تترك اليمن يعبث فيه أطراف داخلية تتشبث بالفوضوية تحت راية الشرعية التي تتجاهل أن في عدن مقاومة بذلت كثيراً ليس من أجل صنعاء بقدر ما بذلت من أجل أن تكون عدن لكل العرب، فالثمن المدفوع دماً على تراب عدن لن يكون لغير عدن.