هاني سالم مسهور
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف التقى الوفد الحوثي في مسقط قبل أن تنطلق لقاءات مباشرة مع الوفد الأمريكي الذي لم ينتزع من الحوثيين موقفاً بمقدار ما انتزع منهم إطاراً سياسياً يتوافق مع ما تتطلبه المرحلة يمنياً وإقليمياً كذلك، فالمفاوضات التي جرت لا يمكن إخراجها من معطيات تحرير الضالع وتقدم المقاومة الجنوبية في عدن، وهذا الجزء هو التحول الكبير والذي في حال استمراره يعني أن اليمن أمام الحقيقة الكاملة وهي التشظي المباشر بين شمال وجنوب.
التطور الميداني بعد أكثر من 70 يوماً من بدء عملية «عاصفة الحزم» هو نقطة التحول التي دفعت الحوثيين للالتقاء بالأمريكيين، وهي التي أقنعت حكومة هادي على القبول بحضور مؤتمر جنيف رغم رفضها له قبل أيام، هذا التطور المهم والسريع ميدانياً للمقاومة الجنوبية كشف بوضوح أن اليمن لا يملك قراراً داخلياً لغير الفارضين قوتهم على الأرض، وهم ثلاثة أطراف: الحوثيون والمخلوع علي عبدالله صالح والمقاومة الجنوبية، هذه هي الأطراف الثلاثة التي تمتلك كامل الحقيقة.
ذكر العقيد أركان حرب إبراهيم آل مرعي في لقاء مع قناة سكاي نيوز الإخبارية يوم 1 يونيو 2015م «أن هنالك أطرافاً سياسية حزبية هي التي تعيق تحقيق الانتصار الكامل في اليمن، وعلى التحالف العربي أن لا يتراجع عن تحقيق أهدافه وأن لا يخشى من هذه الأحزاب التي لا تريد انتصاراً في اليمن». هذا الحديث هو أكثر الأحاديث قوة وصدقاً، فيمكن للمتابع أن يقرأ تأثير الأحزاب اليمنية من مؤتمر شعبي عام ومن حزب إصلاح إخواني في تشتيت كل الجهود الحربية في اليمن، ومن تهويلهم لمعطيات الانتصارات على أرض الجنوب، فهم يدركون أن مهمتهم ليست في استقرار اليمن، وليست كسر التدخل الإيراني بقدر ما يجتمعون عليه من احتفاظهم بالكتلة الجغرافية الجنوبية كاملة تحت تصرف أحزابهم.
وللأسف فإن هذه المكايدات السياسية هي التي صنعت الفشل في البنية اليمنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً منذ حرب صيف العام 1994م، وهي التي كانت تعيش التضادات الكاملة منذ أن خرج الحراك الجنوبي السلمي في 2007م، وهي كذلك التي زايدت كثيراً على القضية الجنوبية منذ ثورة التغيير في 2011م، وكانت هذه القضية جزء غير ظاهر في كل الاتفاقيات اليمنية.
اليمنيون يذهبون إلى مؤتمر جنيف مع أن الحوثيين لم يتنازلوا عن شبر من الأرض، كما أنهم يرفضون تسليم رصاصة واحدة للدولة، أي أنهم لم ولن ينفذوا بنداً واحداً من ما يلي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني، إعلان الرياض، قرار القمة العربية في شرم الشيخ، القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وحتى ما كتبوه بأيديهم اتفاق الشراكة والسلم لم يتم تنفيذ بند من بنوده.
هنا تحديداً لابد من وقفة صارمة مع واقع فرضته الحالة الإقليمية الكبرى التي لم تجد حيالها المملكة العربية السعودية سوى أن تطلق عاصفة حزمها لتقطع تلك اليد التي تغولت في جزيرة العرب نتيجة ارتهانات الأحزاب السياسية في الركن القصي منها فباتت الجزيرة العربية كلها توشك أن تتضرر من المشروع المتآمر عليها.
من الجدارة السياسية التعامل مع ما يرتكبه المزايدون في اليمن تحت بنود الخشية من الانفصال بين جنوب وشمال، فاليمن بات يشكل عبئاً على الأمة العربية التي بات فيها العراق وسوريا وحتى ليبيا دولاً قابلة للتقسيم في مقابل شيء يسير من الاستقرار وإيقاف القتل والتدمير المستمر، وهذا ما يجب أن يكون في اليمن، فلا يجب أن تكون الوحدة اليمنية صنماً مصنوعاً من جاهلية أفراد اعتقدوا أن الاتحاد لا يكون إلا عبر التنكيل والبطش والإلغاء والإقصاء، وعلى دول التحالف ألا تنصت لأحزاب ومكونات تجيد حياكة الأوهام والمخاوف قاصدة تأخير انتصار عاصفة الحزم وممهدة لعدم إعادة الأمل ليمن واحد متوائم ومنسجم مع منظومة الجزيرة العربية سياسياً واقتصادياً ومذهبياً.