محمد عبد الرزاق القشعمي
لعلي أبدأ مقالي بما قاله خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لولي عهده الأمين «... إن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه» فهذا التوجيه واضح ولا يحتاج إلى تفسير، فعلى الجهات المعنية ذات الصلة بالموضوع أمنية أو تربوية أن تضع برنامجاً واضحاً ومحدداً لملاحقة المتعاطفين مع الفئات الضالة من المغرر بهم، فهم أولاً أول من يشجع على التطرف بأساليبهم وطرقهم في استمالة واستقطاب صغار السن بدءاً بحقنهم بالتوجيهات الباطلة تدريجياً، وبعد تخطيهم المراحل الأولى يسلمون بأسلوب دقيق وخفي لمن يرتفع بمفهومهم ويخضعهم لدورات تثقيفية مكثقة، ثم يبدأ الشاب الصَّغير بالتنكر لعائلته لما يراه من وسائل إعلام أو لهو بريء أو نوع ملابس أو حتى العطور.
ثم يلتف حوله مجموعة مماثلة لفكره وسنه يجتمعون ويتبادلون الكتب المحرضة للإرهاب والرافضة لكل جديد مفيد ونافع، ثم يبدأ الشاب بالتأخر والسهر خارج المنزل، وإذا رأى تساهلا من أهله بدأ يغيب لأيَّام وهذه فرصة للانضمام لمن سبقه بدعوى الذهاب لزيارة المسجد النبوي أو الذهاب للعمرة بمكة المكرمة، ثم تدريجياً يترك دراسته ويختفي ليتم بعد ذلك تهريبه إلى أماكن الخطر المحيطة بنا أو إخفائه لفترة وتجهيزه لعمل انتحاري تفجيري كما حصل في مسجد الامام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالقديح بمحافظة القطيف أثناء إقامة صلاة الجمعة في 3 شعبان 1436هـ، وما تبعه من عملية إرهابية أخرى في الجمعة التالية بالدمام، فمثل هذا العمل الإجرامي الذي لا يقيم وزنا ولا حرمة لبيت من بيوت الله ويقتل الأبرياء بأسلوب غادر جبان وهم بين يدي الله يرجون عفوه ويخافون عذابه.
ولا شك أن هذا العمل البشع مناف للقيم والتعاليم الإسلامية، وهو بالتالي عمل جبان يائس يستقي تعليماته من جهات خارجية معادية تهدف إلى خلخلة الوحدة الوطنية والتأثير على ثوابتها. فما حصل في القديح والدمام من قتل وتدمير هو اعتداء آثم على حرمات الله، ولكن خاب ظنهم وخسر مسعاهم، فأبناء الوطن بكل طوائفه متماسكون وملتفون خلف قادتهم.
ومثل هذا العمل الإجرامي الخطير يفرض علينا حكومة وشعباً أن نتعاون للقضاء على الفتنة بمنابعها وقطع الطرق على المتربصين بنا، ودراسة إمكانيات تطوير فعاليات معالجة المشكلة ووضع الحلول الاستباقية ومنها:
المطالبة بسن قانون صارم يجرم من يهاجم أو ينتقد غيره من طائفة أو قبيلة أو عنصر أو إقليم وأن يدعم بمرسوم ملكي حاسم ويبدأ تطبيق العقوبات بشكل تدريجي يضاعف عند التكرار. ليكون الجزاء من جنس العمل. أن تتولى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف إبلاغ خطباء المساجد وبشكل حاسم بالابتعاد عن الخوض في هذا الأمر بل والحض على التعاون والتآخي لنبني وطناً خالياً من التباعد والبغضاء متسلحاً بالتفاهم والوعي ليسود المجتمع الود الوئام والسلام. وضع استراتيجية بعيدة المدى لاستبدال المناهج الدراسية الحالية بأخرى تدعو للألفة والمحبة والتعاون والمساواة وتبعد عن التنابز والتفاخر والمباهات أو العودة للمناهج القديمة التي كانت قبل نصف قرن بوسطيتها مع الاختيار الصحيح والدقيق للمدرسين الأكفاء المعتدلين وبالذات المراحل الدراسية الأولى.
وختاماً وبعد تقديم واجب العزاء لذوي المتوفين رحمهم الله وغفر لهم والدعاء للمصابين بالشفاء والعافية، لا أنسى أن أشكر وجهاء وأهالي القطيف على سمو أخلاقهم وترحيبهم البالغ بمن قدم للقديح للقيام بواجب العزاء والمواساة. من جميع أنحاء المملكة وغيرها من دول الخليج والعرب، فشكراً لهم، حمى الله وطننا من كل مكروه وغادر وأبقاه متماسكاً وصلباً في وجه كل من يريد النيل منه ومن مقدراته.