وقد رد على العواد بعض أصدقاء الأنصاري ومنهم من سمى نفسه بـ (كويتب) وعبدالحميد عنبر ومحمد حافظ ومحمد علي مغربي وعبدالسلام عمر.
بينما نجد العواد يمتدح محمد نور الجوهري ويمتدح روايته (الانتقام الطبعي) التي جاءت بعد (التوأمان) بحوالي خمس سنوات، فبعد أن يستعرض الرواية بقوله: «.. أما هيكل القصة فهو ما يأتي: شاب من أهل الطائف يدعى (نجيباً) ترك له والده ثروة بددها وداراً باعها أخيراً لأن الحاجة ألجأته، وخانه صديقه (سليمان الأنقري) فسرق قيمة الدار وسافر، واكتأب الفتى حيناً، ثم ساقته الظروف إلى طبيب جمع – فيما يؤخذ من حديثه – بين الطب والفقه وسمو الخلق، فبث له نصائح ودروساً في الحياة، ثم زوجه بابنته، فشفي الفتى من آلامه النفسية، ثم التقى صدفة بصديقه الخائن في مستشفى أجياد طريحاً مصاباً بالزهري، وكان هذا هو (الانتقام الطبعي) منه لما جنته يده.. « وقال: «.. ومن أجل ما استفز اعجابنا تنديد المؤلف بالدجالين والدجالات من المتطببين والمتطببات الذين يقصدهم الناس للاستشفاء على اعتقاد أنهم (من أولياء الله).. ولكنهم قوم نصابون أو نشالون.. «
ويختم مقاله بقوله: «.. وفي الرواية نظريات اجتماعية سديدة من لباب علم الاجتماع، ومن لباب الدين الإسلامي الحنيف، يبثها المؤلف في أسلوب خطابي يعرف طريقه إلى النفوس، كنظرية جواز رؤية الزوجة قبل العقد عليها، ونظرية وجوب تسهيل الزواج على الأعزب بالرضى بيسير المهور، وفيها نصائح صحية في قالب روائي مقبول.. ونريد هنا أن نلفت نظر أولئك المتعصبين الذين لا يرون في مثل هذا الأدب الجميل ما يغذي إيمانهم بوجود الأدب القوي في أمثال هذه الآثار.. إلخ «.
ونجد العواد يقول في موضوع (النقد الفني وفعاليته في الأدب)، « النقد العام عمل لازم في الحياة العامة يلاحقها في كل مظاهرها، وفي كل أطوارها، وفي كل أزمانها، فإذا خلا مظهر الحياة من النقد، سواء كان مظهرها الاجتماعي، أو مظهرها العلمي، أو مظهرها الأدبي، أو مظهرها الاقتصادي. أو غير ذلك، وإذا خلا منه أي طور من أطوار هذه المظاهر في أي زمن من أزمانه فمعنى هذا أن تلك المظاهر ركدت أو استعدت للفناء لما فيها من عناصر الفساد المتراكمة المتخثرة، كما يستعد للفناء والتلف أي جهاز مركب يتأخر عنه التعهد بالتجديد والإصلاح والعناية بالتطوير... « إلى أن قال: «.. فإذا كانت للنقد ا لفني ضربات فإنما هي ضربات تقع على العناصر الفاسدة في الأدب فتطيح بها إلى حيث تحل محلها عناصر حية تبعث الدم والنّفَس.. « ثم يذكر دور الناقد الأدبي ومهمته حيث يقول: « للناقد – أي ناقد كان – فضل جليل على الكاتب والشاعر، لو عرفا كيف يستقبلانه برحابة صدر يمليها خُلق المفكر، وبارتياح تفرضه طبيعة الأدب والبحث، وإلا فما قيمة أثر فني حي لا تجري الأقلام بذكره، ولا يهتم الناقدون بتقديره، ولولا صيال النقد لما غربل الكاتب أفكاره ونخلها وصفاها وزاد بها شعوراً وادراكاً وتذوقاً. والكاتب الذي يَزوَرَّ عن النقد ويشيح بوجهه عن الآراء التي تولدها أفكاره إنما هو كاتب يريد حبس التفكير ويناصر جمود الأقلام ويكبت حرية النقاش... « إلى أن قال عن أعماله الأدبية: «..وأني شخصياً لأزداد سعادة عندما يتولى النقاد آثاري بالغربلة. وكلما حفزني النقد للدفاع والتهجم شعرت في أعماقي بقوة الينبوع الحي الذي يتفجر منه هذا الأثر المنقود، ذلك أني ما جوبهت بنقد قط إلا وجدت الطريق يتفتح أمامي لإعطاء الناقد درساً في فهم ما ينقد فأعيد الناقد وهو أحرى بأن يتلقى هجمات النقد. وما أنسب هذا إلى قوة حجتي – وإن كان لقوة الحجة دخل كبير فيه – ولكني أنسبه إلى إيماني بالنقد وفعاليته وشعوري بأني مستغرق في مزاولته قادر على الخروج من مآزقه كقدرتي على التوغل في سراديبه إلى الأعماق، وما كنت ناقداً يوماً إلا على هذا الأساس، لأن الأثر الفني الذي يشغلني هو الأثر الذي يستطيع أن يدفعني إلى النقد... « وختم الموضوع بنصيحة لكارهي النقد بقوله: «فإلى أولئك الذين يرهبون سطوة النقد، فإذا ما لمحوا شبحه من بعيد سمعت لهم همهمه ودمومة وايجاساً أوجه هذا الحديث لعله يقدم لهم قبساً من الشجاعة الدبية ومن حرية الفكر».
وكان الأنصاري (1324-1403هـ) قد بدأ الكتابة مذ كان طالباً في مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة، إذ نشر له أول مقال في مجلة (الشرق الأدنى) التي تصدر في مصر عام 1346هـ/1927م بعنوان: (بماذا ينهض العرب؟) وأنه أبدى رأيه في أن نهضة العرب مرتبطة بوحدتهم ووحدتهم مرتبطة بوجود زعيم عربي يوقظ النائمين، ويتقدم مسيرتهم إلى قمم الوحدة المنشودة. كما نشر في صحيفة (المرشد العربي) بحضرموت، ثم نشر في مجلة (السياسة) الأسبوعية، وفي مجلة (المقتطف) وفي جريدة (الأهرام) بمصر، وفي مجلة (العالم الأسلامي) بسومطرة، ومجلة (المرشد العربي) بحلب بسوريا.
كل هذا وغيره بدأ من عام 1345هـ وهو مازال طالباً وفي الوقت الذي كان يفكر في إصدار مجلة (المنهل) ويسعى لتحقيق ذلك، نشر روايته الأولى (التوأمان) وهذا يعني أنه لم يأت لهذا الميدان متطفلاً بل مسلحاً بالعلم والمعرفة وروح المغامرة، ولكن النقد القاسي لم يثنه أو يفت في عضده.
أما محمد علي مغربي فيقول في (أعلام الحجاز): بعد حصوله على الشهادة النهائية بمدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة عام 1346هـ عمل بها أستاذاً للأدب العربي ثم انتقل للعمل بديوان الإمارة معاوناً لرئيس الديوان.
قرأ للمنفلوطي والرافعي، ووصفه صديقه عبيد مدني بأنه رائد الأدب الحديث في المدينة.
وقال عنه محمد علي مغربي عندما التقاه بمكة عام 1355هـ «.. رأيت فيه الأديب الذي يجمع بين الأدب والعلم، فكان أديباً محققاً يزن الكلام الذي يكتبه ويُقوِّم الكلام الذي يقرأه ويتنبه إلى ما يقع فيه الكثيرون من أخطاء في اللغة في نُطق بعض الكلمات وتصريفها.. «.
كما ذكر علي جواد الطاهر في معجمه عن (التوأمان) أنها رواية أدبية علمية اجتماعية بقلم الموظف بديوان إمارة المدينة المنورة.. أول رواية صدرت في الحجاز.. دمشق، مطبعة الترقي بالقميرية 1349هـ/1930م، 74 ص متوسطة الحجم.
كتب على الغلاف: ملحوظة هامة: قد فسرنا بعض الألفاظ اللغوية المغلقة وحللنا بعض التراكيب المجازية بأسفل صفحات الرواية: «إيضاحاً وتنويراً لأفكار الناشئين والمبتدئين من القراء الكرام. المؤلف «والرواية قصة أقرب إلى الحكاية ليس لها اليوم إلا قيمتها التاريخية. وكلمة (رواية) كبيرة عليها.
كما نشر قصة قصيرة بعنوان (مرهم التناسي) نشرها في العدد 72 من جريدة صوت الحجاز 8 جماد الثانية 1352هـ 29 أغسطس 1933م وهي قصة امتزج فيها الخيال بالواقع وقد هاجمها العواد، قال عنه علي جواد الطاهر: «.. والحقيقة أن العواد أضاع كثيراً من عمله ورأيه بسبب من التعالي والحدة.. «.
2- العطار يسخر من السباعي بنقده:
وفي مجال نقد أولى المحاولات الروائية نجد أحمد عبدالغفور عطار يصدر عدداً وحيداً من جريدة (البيان) من ثماني صفحات 60 × 40 سم طبعها بالقاهرة وكتب عليها أنها طبعت بمكة المكرمة، الشارع اليوسفي بتاريخ 15 ذو القعدة 1368هـ 8 سبتمبر 1949م، وتضمنت مقالات تهاجم أحمد السباعي (1323-1404هـ) على روايته (فكرة) ويعود السبب في إصدار العطار لذلك العدد ا لوحيد ونشره في مصر إلى امتناع صحف الحجاز عن نشر مقالاته، وكانت عناوين المقالات: (فكرة، أخطاء السباعي، ترهات وأغاليط، المشاهد الطبيعية، السباعي وشركاه، الأدباء الثلاثة الكبار، التلفيقات، مثلث وافر البركات، بطلا كتاب السباعي، فكرة ليست قصة) ومن هذه العناوين يتضح أن كل ما جاء في هذه الجريدة نقد لرواية أحمد السباعي (فكرة)، فقد كثر النقاش حول الرواية في الصحف المحلية، وتطور إلى هجوم على المؤلف وآخرين مناصرين له – وبخاصة بعد فوزه بالجائزة الأدبية المقدمة من حسن عباس الشربتلي بعد تشكيل لجنة من ثلاثة أدباء كبار منهم عبدالقدوس الأنصاري وضياء الدين رجب وقدرها خمسمائة ريال – وبالذات من قبل أحمد عبدالغفور عطار، مما جعل بعض هذه الصحف وبخاصة (البلاد السعودية) ترفض نشر مقالاته مما حمله على جمعها وإصدارها بهذا العدد اليتيم من (البيان).