د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
إذا كان النفط والصلب هما الموردان اللذان حددا ملامح القرن العشرين، فإن سوق الاقتصاد الرقمي هو الذي سيرسم صورة القرن الواحد والعشرين، بعد أن أبهرت ابتكارات مطلع هذا القرن العالم ونقلته إلى آفاق جديدة. لم يعد بالإمكان فصل التعليم عن الاقتصاد باعتبار أنهما عنصران لا يفترقان..
حيث إن الاقتصاد المعرفي هو الاقتصاد الجديد، والسعودية تمتلك كثيرًا من مقومات النجاح في تحقيق تنويع مصادر الدخل، لكن الظروف والتحديات الحالية وانخفاض أسعار النفط، والتحديات الجيوسياسية تفرض رسم ملامح المستقبل.
نحن بحاجة إلى الانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، والانتقال من محدودية التنافس المحلي والإقليمي إلى العالمي، والانتقال من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة التنافسية.
على سبيل المثال لا تزال نسبة مساهمة القطاع الخاص غير النفطي في الناتج المحلي السعودي لعام 2014 محدودة رغم النمو الذي سجلته في السنوات الأخيرة، فيما تبلغ نسبة الصادرات السلعية غير النفطية إلى الواردات 34 في المائة بنمو 8 في المائة، بينما تبلغ الواردات 652 مليار ريال التي تزيد بنحو ثلاث مرات.
في حين تبلغ الصادرات الخدمية 44 مليار دولار، بينما تبلغ الواردات نحو 290 مليار ريال، أي أن نسبة الصادرات إلى الواردات تبلغ 15 في المائة فقط، وهي نسبة منخفضة جدًا خصوصًا إذا وجدنا أن حجم الاقتصاد المعرفي العالمي يبلغ 60 تريليون دولار.
وتبدو دول الخليج عازمة على رفع مساهمة قطاعها الصناعي من 10 في المائة إلى 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، وهو ما يتطلب رفع الاستثمار من 323 مليار دولار (السعودية نصيبها 180 مليار دولار) إلى تريليون دولار.
الخليج كسوق إقليمية تحتاج إلى 2.4 تريليون دولار حتى عام 2025 لتنفيذ البنى التحتية، وهي تمتلك أموال سيادية تبلغ نحو 3 تريليونات دولار تبلغ ثلث حجم الصناديق السيادية العالمية البالغة 7.3 تريليون دولار.
ولتحقيق ذلك يجب أن تكون هناك مظلة تستند إليها المنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي فهي تمثل 50 في المائة من إجمالي المشروعات القائمة في السعودية، مقارنة بنحو 97 في المائة في أمريكا و80 بالمائة في الصين.
لا تزال نظرة البنوك إلى إقراض تلك المشروعات تقتصر على الربحية، وهي بحاجة لمظلة تحميها وتشجعها وتنظر إليها كأساس للتنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة.
تريد السعودية أن تنتقل إلى عصر الصناعة بخطى واثبة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة، هذه الإستراتيجية حريصة على تقديم بنى تحتية تساعد المصنعين والمستثمرين العالميين على أن تكون السعودية مركزًا للتصنيع معتمدة على الأسعار التنافسية لمدخلات الصناعة، اعتمادًا على توسعين عمودي وأفقي هما بحاجة إلى مواقع مدن جديدة بدلاً من التركيز على مدينتين هما الجبيل وينبع وشركتان هما سابك وأرامكو.
ينبغي أن تكون الجامعات معنية بمخرجات التعليم العام وبمخرجات التعليم العالي التي تخدم الاقتصاد المعرفي، لأن التعليم أصبح عملية شاملة للتعليم العام والتعليم العالي، والجامعات ليست فقط للتعليم بعدما أصبح التعليم عملية شاملة تمتد إلى ميادين الابتكار والاختراع.
لذلك تتطلب المرحلة تطوير الجامعات التقليدية كي تعتمد المعايير العالمية، ما يفرض أن تتخلص الجامعات من الأكاديميين الوهميين، وأن يتماشى أساتذة الجامعات مع الواقع، ما يفرضه الواقع من تتغير معايير القبول الحالية في الجامعات واعتماد معايير جديدة لا تعترف بحدود التعليم التقليدي كي نتمكن من مجاراة ما هو متاح في جميع أنحاء العالم.
التعليم العالي في السعودية أمام استحقاقات مرحلة مهمة من عمر المعرفة ومتطلباتها التي شرعت منذ سنوات في تغيير المفاهيم القائمة، لأن التقنيات الحديثة هي التي تحدد مسار النهضة العلمية والبحثية بمثابة متغيرات نوعية من خطوات عملية، تحتم علينا مواكبة التطور العالمي. نجاح الجامعات في القرن الواحد والعشرين ليس مقرونًا فقط بنجاح أساتذتها، وإنما بمسؤولياتها تجاه التعليم العام والمجتمع، لذلك يعتبر التعليم العام مقياسًا لتفوقها حينما يبدأ في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ويرتبط بالابتكار في المرحلة الثانوية حتى نتمكن من توفير الكفاءات وتنمية روح الابتكار في الجامعة وهو الاستثمار الحقيقي في العقول.