د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تسلم الملك سلمان دفَّة الحكم في زمن صعب، وفي مرحلة تمر بها الأمة العربية بتحديات لا مثيل لها، لكن أمير الرياض لمدة خمسين عامًا، فاجأ العالم بتلك التغيرات السريعة والمدروسة لكنه لم يفاجأ من يعرفونه.
مائة يوم دائمًا هي مؤشر على قدرة أي رئيس للحكم على أدائه، لكن الملك سلمان فاجأ العالم بأقل من أسبوع مر على تسلمه الحكم،
أصدر 34 قرارًا ملكيًا بتشكيل مجلس الوزراء، وإلغاء المجالس العليا، وحصرها في مجلسين برئاسة محمد بن نايف وزير الداخلية للشؤون السياسية والأمنية، والمجلس الآخر للشؤون الاقتصادية برئاسة محمد بن سلمان وزير الدفاع للقضاء على الازدواجية في اتخاذ القرارات، وهما مجلسان متكاملان للتنسيق بين الشؤون الخارجية والداخلية.
أول ما فاجأ الملك سلمان العالم وأيضًا الداخل بـ»عاصفة الحزم» كأداة ضغط متواصلة بعد فشل الدبلوماسية بين القوى المختلفة المعنية بأزمة اليمن، لأن الملك سلمان يرى أن مواجهة النفوذ الإيراني أولوية، خصوصًا بعدما أصبحت إيران على تماس مع الحدود الجنوبية للسعودية، وتؤجج الطائفية والصراع بين المذهبين الكبيرين السني والشيعي عبر وكلائها في المنطقة.
بعدما أثبتت «عاصفة الحزم» نجاحها، واصل الملك سلمان تحديثه للدولة السعودية، بنقل الحكم من الأفقي إلى الرأسي لتطمين الشعب السعودي والإقليمي والعالمي استكمالاً للتغيرات التي وضعها الملك عبدالله من تأسيس هيئة البيعة بمشاركة وتضحية من الأمير مقرن الذي سيسجل التاريخ له هذه المشاركة في التغيير.
واليوم يتجه الوطن نحو المستقبل بخطى واثقة، خصوصًا حينما يؤسس الملك سلمان للجميع بأن خدمة الوطن والمواطنين هي الأساس ولا شيء آخر، وعلى هذا الأساس تتم التغييرات، ومن يخترق أو يخالف هذه المبادئ سيتم تغييره مثل تغيير وزير الصحة والطبيشي رئيس المراسم الملكية.
هناك دبلوماسيون عالميون يتساءلون لماذا فشلت واشنطن وانتصرت الرياض؟ أي كيف نجح التحالف العربي بقيادة الرياض في حشد الحلفاء المتفقين على هدف واحد والمستجيبين لنداء شرعي واحد خالٍ من أي غايات طائفية أو مذهبية، بينما كان تحالف أوباما راهن على أطراف ذات أهداف متباعدة لحل مشكلة العراق دون أي اعتبار لخطورة التعاون مع طرف إقليمي يؤجج للطائفية في المنطقة.
التحالف الذي قاده الملك سلمان فرض أمرًا واقعًا، ولم يكن شبيها بتحالف عام 1991 لتحرير الكويت من صدام حسين الذي كلف دول الخليج دفع مبالغ طائلة نتيجة هذا التحرير، تسببت فيما بعد تحمل دول الخليج ديونًا استمرت فترة طويلة تزامنت مع انخفاض أسعار النفط، بينما التحالف الذي قاده الملك سلمان أزعج الدول بأن يلحقوا بالانضمام إلى هذا التحالف وهو من أجل مصلحتهم دون أن تدفع السعودية أي أثمان مقابل أي مشاركة، كما اعتادت تلك الدول، لكن «عاصفة الحزم» التي قادها الملك سلمان معتمدة السعودية على قوة دول الخليج التي أعدتها في الفترة الماضية وهي تقطف ثمار هذا الإعداد.
باعتراف صحف أمريكية التي صرحت بأن استمرار الضربات الجوية المكثفة، أظهرت قدرة السعودية على قيادة حملة عسكرية طويلة ومعقدة، يمكنها العمل ضد النفوذ الإيراني المتصاعد، بل حتى موسكو قدمت غطاء شرعيًا في مجلس الأمن حينما مررت القرار 2216 بخصوص اليمن، فأصبحت إيران في عزلة دولية.
الدبلوماسية السعودية ضغطت على موسكو حينما أفشلت لقاء موسكو الذي لم يحرك قطار الحل السياسي خطوة إلى الأمام، أي أن الدبلوماسية السعودية و»عاصفة الحزم» معًا نجحتا في تغيير المزاج الأمريكي والروسي، ويبدو أن الدبلوماسية السعودية كانت تلعب على ورقة المصالح، وضمنت لروسيا مصالح في سوريا، لأن روسيا ترى في سوريا حليفًا تاريخيًا لا غنى عنه في قلب الشرق الأوسط والحفاظ على بقاء القاعدة الروسية في طرطوس تابعة لها.
وفي نفس الوقت أوقفت عاصفة الحزم التقارب الأمريكي الإيراني على حساب العرب، ويمكن تعويضها بفرنسا وروسيا والصين وتنعقد القمة الخليجية في الرياض بحضور هولاند رئيس وزراء فرنسا لأول مرة.
قبل عاصفة الحزم لجأ الملك سلمان إلى ممارسة توازنات سياسية وتقريب وجهات النظر أولاً بين دول الخليج خصوصًا بين دولة الإمارات وقطر من جهة وبين قطر ومصر من جهة أخرى استكمالاً للمصالحات التي كان يرعاها الملك عبد الله، ثم اتخذ الملك سلمان إستراتيجية متوازنة بين تركيا ومصر، لأنه يحتاج إلى هاتين الدولتين من خلال التفصيل في ورقة الإخوان، وهي دبلوماسية عالية المستوى عندما اعتبرت السعودية أن من يبايع المرشد الأعلى كمن يبايع ولاية الفقيه هم أعداء للوطن، بينما من لم يبايع فهم مواطنون لهم كافة الحقوق ولا يمكن متابعتهم، وطالبت السعودية تركيا بالحفاظ على أمن مصر، وهو أمن عربي لا تقبل السعودية المساس به.
يبدو أن الغرب يرتاب من تحرك موسكو الأخير نحو الإفراج عن صفقة صواريخ (أس 330) وهي تسعى إلى تحويل الشرق الأوسط عنصرًا أساسيًا في حر ب باردة جديدة بين إيران والغرب، وسيكون التصادم في منطقة الخليج.
لذلك يحرص أوباما على عقد قمة كامب ديفيد مع دول الخليج من أجل التوصل إلى تفاهمات جديدة عن مستقبل المنطقة، وهو ما يفسر تهديد أمريكا بتقسيم العراق، وهي بداية حرب باردة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق لإبعاد هيمنة إيران على العراق، وهي رسالة أيضًا لموسكو بوقف الإفراج عن تلك الصورايخ في تلك الفترة مقابل أن تخفف أمريكا الضغط والعقوبات الاقتصادية عن موسكو، وستصب نتائج قمة كامب ديفيد في صالح دول الخليج بعدما أثبتت عاصفة الحزم أن دول الخليج قوة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة التمدد الإيراني، ولن توافق أمريكا لإيران أي مقايضة حول نفوذها في المنطقة عند توقيع الاتفاقية النووية النهائية ويعتبر هذا نصرا لدول الخليج.