سمر المقرن
كان عندي مناسبة قبل عدة أشهر واستأجرت قهوجية وصبابة، وبعد أن انتهينا قدمتا لي قارورة ماء لونها غريب، فسألتهما: ما هذا؟ فأجابتا: غسال المعازيم! قلت: وما حاجتي به؟ فأتى ردهما: أنهما يلتزمان في كل مناسبة على تجميع غسال الحاضرات، والغسال هو بقايا فناجين القهوة والشاي والعصير، وتقديمه إلى صاحبة المناسبة لتشربه تحصينًا لها من عيون الحاضرات!
بعد أن طلبت منها رميه لعدم حاجتي به، أتساءل: لماذا - بعض- النساء السعوديات لا يثقن ببعضهن، وما دامت المناسبات لا تقوم على قلوب صافية ومحبة وثقة بالآخرين فلماذا تُقام المناسبات؟ وما دام هناك خوف من الحاضرات أن يضربن صاحبة المناسبة بعين، فلماذا من الأصل تقدم لهن الدعوة؟
أتصور أنّ اجتياح هذه الأفكار السطحية والخرافية يعود إلى قلة إيمان - بعض - البشر بالله عز وجل، وقلة ثقتهم بالآخرين، وسيطرة الفكر القائم على أنّ الناس ليس فيهم خير. أضف إلى هذا وجود اعتقاد راسخ عند هذه الفئة - غير القليلة - بأنّ كل الحالات النفسية والمرضية مردها إلى عيون الناس التي لا خير فيها. والغريب أنّ مثل هذه السلوكيات لا تخص فئة بعينها ولا طبقة اجتماعية معينة بل أراها حالة شبه عامة، ولعل النساء المتعلمات من أكثر المصابات بهذا الهوس الخرافي، وأستدل على هذا مما أراه من تجمعات المعلمات، وكيف يتم التصرف عندما يحضر اعتقاد أنّ فلانة من المعلمات مصابة بعين من معلمة أخرى، فيتم عمل حفلات شاي وقهوة كلها تقام بهدف جمع «الغسال» للمعلمة المصابة، وسبحان الله بعد أن تبتلع الغسال تقوم مثل الغزال. إذن الحالة هنا نفسية هوسية خرافية، يعززها وجود مجتمع يؤمن بها ويساهم على نشر الأفكار الخاصة بمثل هذه الخرافات، وما أكثر المنتفعين منها إن هي تجاوزت عملية شرب الغسال، فهناك رقاة متخصصين بالعين جلسة القراءة لديهم بمئات الريالات، وهناك مياه ملوثة ببصقات هؤلاء الرقاة تُباع وتُشرب والقائمة تطول..!
من يرى حالة الفوبيا من العين المنتشرة في المجتمع يستشعر حالة ضعف الإيمان بالله، وبأنّ الإنسان الذي يُحصن نفسه بقراءة القرآن الكريم لا يُمكن أن يمسه أي سوء بأمر الله - عز وجل -، كما أنّ الملاحظ وجود لَبْس واضح وصريح في معاني الحسد التي أتت واضحة في القرآن الكريم، وبين العين التي لم يأت لها أي ذكر في القرآن، والحسد يختلف تمامًا عن العين، فهو نفوس مريضة تتمنى زوال النعمة عن الآخرين، بينما العين في المفهوم الشعبي الدارج هي قدرات إشعاعية قوية قادرة على تدمير الآخر، وأظن لو كانت بهذه القوة لما استهان بها علماء الغرب ولاستخدموها في دراساتهم وأبحاثهم وخصوصًا مركز فضاء كيندي لكان الأحوج لها، ولكسبنا مليارات من تصدير أشهر عتاة (صك العين) لهم، ولبعناهم مقابل قيمة تزيد عن قيمة لاعب كرة قدم!
إننا اليوم بحاجة إلى الرقي بالعقل واستخدام المنطق بعيدًا عن الثقافة السطحية، ونشر ثقافة التنوير التي من شأنها رفعة العقل المجتمعي، بعيدًا عن الخرافة التي تُحبط الناس وتشيع حالة الاكتئاب بينهم والأمراض النفسية التي ليس لها علاج، لأنّ صاحبها لن يذهب إلى المكان الصحيح والمتخصص لعلاجه!