علي الصراف
للمرة الأولى في تاريخ المنطقة يتخذ المشروع القومي العربي المسار الصحيح.
لقد ظل هذا المشروع على امتداد سبعة عقود من الزمن يتصرف كتهديد داخلي لأطراف شتى من الأمة العربية.
البعثيون استخدموه، على طول الخط، كتهديد لدول الجوار. والناصريون فعلوا الشيء نفسه. ودائما ما كانت المواجهة «القومية» تدور بين حاملي لواء القومية من جهة، وبين من يعتبرونهم «محافظين». الأمر الذي جعل الأمة العربية، بكل دولها، تخوض ما يشبه الحرب الأهلية مع نفسها، لا مع الخارج.
ولقد دفعنا على امتداد هذه العقود أثمانا باهظة من التخلف وانعدام الأمن، وحوّلنا المنطقة إلى مستنقع للتدخلات الدولية، قبل أن تتحول، بفضل التفكك المتواصل، إلى مستنقع للإرهاب.
اليوم، ومع إدراك كل دول المنطقة أنها أصبحت تحت تهديد مشترك، استعاد مفهوم الأمن القومي العربي مكانته، وشرعت القومية العربية لتعمل، للمرة الأولى في التاريخ المعاصر، كمشروع للعمل المشترك بين أبناء الأمة الواحدة.
للمرة الأولى أيضا، صار بوسع القوميين في مصر أن ينظروا إلى أشقائهم في الخليج كعون وسند. وللمرة الأولى باتوا يقولون إن مصر لا تصارعهم على دور، ولا تنافسهم على مكانة. وبدلا من المخاوف، بدأت تسود لغة الشراكة والتعاون والتضامن.
وحتى مع وجود اختلافات هنا أو هناك، حيال هذه القضية أو تلك، فإنها ظلت اختلافات بين إخوة يحتاجون إلى بعضهم، لا خلافات بين إخوة متعادين يخشى أحدهم الآخر.
لقد صنع القادة الخليجيون، بتضامنهم مع مصر، موقفا قوميا غير مسبوق بقيمته الإستراتيجية وأهميته التاريخية. فأقالوها من العثرة، وأقالوا معها المنطقة بأسرها من مصير كاد أن يكون شديد البؤس.
ولقد كان موقفا قوميا عميقا، عندما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن مصر لا تريد أن تلعب دورا، ليضع بذلك حدا للمخاوف القديمة التي صبغت المشروع القومي الناصري تجاه دول الخليج.
ولقد كان موقفا قوميا واعيا عندما اختارت مصر أن تنخرط في «عاصفة الحزم» من دون أن تطلب قيادة.
نحن اليوم أمام عهد قومي جديد. وأمام رؤية جديدة للمشروع القومي العربي تقودها حاجة العرب إلى بعضهم، ولا يقودها البعثيون ولا الناصريون ولا الإخوان المسلمون.
لقد كان من الطبيعي لقومية التهديد أن تنتهي بيد البعثيين في العراق إلى غزو الكويت، كما كان من الطبيعي أن تنتهي بيد البعثيين في سوريا إلى التحالف مع إيران. وذلك مثلما كان من الطبيعي لـ «قومية التهديد» الناصرية أن تعادي أربعة أخماس الأمة العربية، وأن تنتهي إلى «أمين» عليها يعادي الجميع.
لو أدرك القوميون القدامى أنهم يتصرفون بقوميتهم كمشروع للدمار الداخلي، لما قادونا إلى كل ما عرفناه من صراعات ومواجهات داخلية.
ولو أدرك القوميون القدامى أن «قومية التهديد الداخلي» هي بوابة الاستعمار الجديد، لما انتهينا إلى ما نحن فيه اليوم.
ولو أدرك القوميون القدامى سُبلا لجعل تطلعاتهم القومية مشروعا للعمل المشترك، لما سبقتنا اليابان وكوريا والنمور الآسيوية ولا الهند ولا البرازيل ولا غيرها، في سباق التنمية.
ولكن حصل ما حصل. وعسى الله أن يرعوي المتأخرون!
رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أدرك الخطوة الأولى. وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تابع الخطوة بأوسع منها. وحفظ الله مصر الجديدة، وكل أهل الخير من قادة هذه الأمة.
لا خوف بينهم إذا اختلفوا، ولا جوع. وإيلافهم، للمرة الأولى، «إيلاف قريش».