عبدالعزيز السماري
ظهر خالد المولد ضيفاً في برنامج الثامنة ليتحدث عن التكفير والقتل والتفجير، وليطلق فتاوى تكفيرية شمولية، كانت ردة فعل المجتمع ضدها شديدة الاستغراب، وكأنهم يسمعون بمثل هذه الأحكام للمرة الأولى، بينما لو رجعنا لمقابلة الشيخ وليد السناني وقارنا بين المولد والسناني لأمكننا الربط بينهما، فهذا التلميذ هو ضحية لتلك المدرسة التكفيرية العريقة الجذور في تاريخ المسلمين.
لكن الفرق أن خالد المولد كان شفافاً، ولم يتحدث من خلال خطاب مبطن كما يفعل الكثير من الدعاة الذين مروا علينا عبر فتنة التكفير والتفجير، ولكن أستطيع القول إنه أفصح بما تعلم في تلك المدرسة التي كانت تجيد استخدام التكفير الشمولي لتشريع القتل الجماعي في المجمعات الآمنة، وبالمناسبة لا يُعتبر هذا النمط من التفكير خاصاً بنا، فله جذور أيضاً في مختلف جماعات وفرق الأديان في التاريخ.
كان الجديد في قضية المولد العلاقة بين الإدمان والتطرف الديني، والتي تعني أن ثمة علاقة ظواهر متعددة للتطرف في السلوك منها الإدمان والتطرف في التفكير، وعادة تعود إلى مجموعة من المشكلات التربوية والنفسية والاجتماعية التي يعانيها المدمنون والمتطرفون وقد تدفعهم للتمرد على المجتمع، مثل الفقر، غياب الأب، المشكلات الأسرية، القسوة في المعاملة، ممارسة العنف تجاه الأطفال، ممارسة سلوكيات خاطئة مثل اضطهاد الأطفال، وهو ما يحوّلهم إلى البحث عن طريق للهروب من ذلك الواقع المؤلم.
كذلك يمكن تبرير نشوء الحركات التكفيرية المتطرفة بعلاقتها بالأمية والتخلف وثقافة الانغلاق والانعزال عن الأمم الأخرى، و يمكن تفسيرها بالمعاناة والشعور بالدونية والظلم الاجتماعي والسياسي، ولو حاولنا رسم علاقة جيوسياسية مع حركات التطرف في عالم المسلمين، لاتضحت علاقتها بالجغرافيا والبيئة السياسية كالاستعمار والقهر الاجتماعي، بدءاً من حركات الخوارج والقرامطة وانتهاءً بانتشار الفكر التكفيري في المناطق الأكثر فقراً واستبداداً في العالم المعاصر، لهذا السبب يجيد بعض السياسيين استخدام مثل هذه الأيدولوجيات الدموية للوصول إلى مآربه السياسية، وعندما يصل يفتح النار عليها، ولعل ما يحدث الآن في العراق واليمن دليل على ذلك.
ردة الفعل في المجتمع السعودي على لقاء خالد المولد دليل تغيير نسبي في المفاهيم العامة، ودليل آخر على موقف عصري ضد ثقافة القتل والتكفير، لكن ذلك لا يعني أنهم تجاوزوا تلك الأفكار، فعقولنا الباطنة لا يزال يختبئ داخلها كثيرٌ من تلك الأفكار المتطرفة، ولعل صراحة خالد المولد المؤلمة وخروجه بتلك الصورة الواضحة أثار بعض الأفكار القديمة بشكل مؤلم، وقد تحكي ردة الفعل والاستغراب تلك العلاقة الكامنة، وقد أبدت بعض الرموز الإعلامية استياءها الشديد من اللقاء، وكأنهم يرفضون مشاهدة حقيقتهم في الماضي القريب.
الفكر التكفيري الشمولي واستخدامه لتبرير القتل كانت له جذور في المجتمعات القديمة، وسنجد كثيراً من المعاناة في استئصاله تماماً من العقول، فالمناهج التعليمية والفتاوى في الكتب ما زالت مليئة بأحكام التكفير، وما زلنا نعيش في تلك الدائرة، ونرفض لا شعورياً الخروج منها، لأننا نحاول الهروب من المواجهة بترديد المقولات التي تحاول جاهدة أن توضح أن ثمة فروقات بين التيارات التقليدية وغير التقليدية، بينما لا أرى شخصياً فرقاً واضحاً في الأصول، وربما يظهر الاختلاف في صيغة الخطاب، وهل يكون مباشراً مثلما تحدث به السناني والمولد، أو يكون غير مباشر كما يستخدمه البعض في الوقت الراهن.
لعلّ خالد المولد آخر التكفيريين الشموليين، وقد يكون قدره أن يظهر على شاشة أم بي سي العصرية جداً، ليكون شاهداً على العصر في إفادته التي بيّنت للجميع أن المجتمع أصبح في مرحلة جديدة، قد تكون بعيدة نسبياً عن تلك البيئة التي جمعت أزمات الفقر والأمية وثقافة الانغلاق، وكانت أرضية خصبة في الماضي لاعتناق منهج التطرف للتعبير عن حالتهم الاجتماعية البائسة، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة القطيعة، وفي حالة عودة المجتمع إلى تلك البيئة الحاضنة لأزمات الفقر والتخلف والأمية سيعود التطرف إلى العقول في صورة ربما أكثر دموية مما قدمها الضحية خالد المولد، والله على ما أقول شهيد.