د. عبدالواحد الحميد
الأحداث التي تجتاح العالم العربي أزاحت القضية الفلسطينية إلى الظل، ولذلك مرت الذكرى السابعة والستون للنكبة الفلسطينية وإنشاء دولة إسرائيل بهدوء دون أن تتوقف عندها كثيراً وسائل الإعلام. لكن القليل الذي يُطرح في بعض وسائل الإعلام العربية حول القضية الفلسطينية، عموماً، يركز على تقصير العرب في شن حرب على إسرائيل وتخليص الفلسطينيين من الاحتلال الصهيوني.
ربما يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍ كبير، لكن الأمر المحير هو العجز الفلسطيني عن توحيد الصفوف وإنهاء حالة الانقسام المزمن في صفوفهم منذ انطلاق حركة المقاومة الفلسطينية. هناك إنقسام يصل حد العداوة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، وانقسامات بين الفصائل المتعددة في الضفة الغربية، وانقسام بين الفلسطينيين في المخيمات، وانقسام بين النخب الفلسطينية الموجودة في المَهاجر بما في ذلك النخب التي تعيش في الولايات المتحدة وأوروبا.
هذا الانقسام الحاد والعميق بين الفلسطينيين هو أهم عائق أمام القضية الفلسطينية والفلسطينيين ليس فقط على صعيد تحرير الأرض أو إيقاف الاستيطان الصهيوني وإنما أيضا على صعيد تسهيل وصول المساعدات العربية وغير العربية للفلسطينيين في الضفة والقطاع والمخيمات من أجل رفع المعاناة المعيشية وتعزيز الصمود وبناء ما دمرته إسرائيل عندما ضربت غزة.
ففي ظل هذا الإنقسام المأساوي لو حاولت أي دولة أو جهة عربية تقديم المساعدة إلى أي طرف من الأطراف الفلسطينية سوف يتم تخوينها من أطراف فلسطينية أخرى تناصب العداء للطرف الذي تلقَّى المساعدة!
إن الانقسامات التي تحصل بين المناضلين لتحرير أوطانهم ليست أمراً غير شائع. فحركات التحرر عبر التاريخ، وبخاصة التاريخ المعاصر الذي شهد الفترة الاستعمارية الأوروبية في آسيا وافريقيا، عانت من الانقسامات. لكن تلك الانقسامات لم تكن بحجم الانقسامات التي تشهدها الساحة الفلسطينية. ومن المعروف، على سبيل المثال، أن خلاص الجزائر من الاستعمار الفرنسي الاستيطاني كان ـ إلى حد كبير ـ بسبب صلابة ووحدة المجاهدين الجزائريين الذين لم تحرفهم التحزبات والإيديولوجيات عن قضيتهم الرئيسية وهي: تحرير التراب الجزائري.
إن مرور ذكرى النكبة الفلسطينية بهذا البرود هو أمر محزن، ولا أظن أن الحال سوف يتحسن طالما بقي الفلسطينيون على هذه الدرجة من الإنقسام وطالما أصر كل طرف على أن نهجه في تحرير فلسطين هو النهج الوحيد الصائب. يستطيع الفلسطينيون لوم العرب، لكنهم ايضا مطالبون بلوم أنفسهم عندما سمحوا لـ «السياسة» أن تفسد مبدأ «النضال» من أجل تحرير الوطن.