د. أحمد الفراج
قبل أيام، شاهدت فيديو لمعمم صفوي، وحوله أناس في حالة فقدان كامل للعقل، اذ كانوا يتسابقون على لمس جسده، ويحملون علب ماء ليبصق فيها من باب التبرك، ولا أعني هنا النفث الشرعي، بل البصق، أعزكم الله، بكل ما تحمله الكلمة من معنى!!، وتخيلت هذا الصفوي، وهو يسكن في قصر منيف، محاطا بالخدم والحشم من كل جنس، وتأتيه الأموال الطائلة من هؤلاء المغرر بهم، اذ يحدثني من أثق فيه أن كثيرا من الفقراء يعملون ليل نهار، ثم يدفعون جزءا مما حصلوا عليه لمثل هذا الصفوي الأفاك، وذلك على حساب أفواه أطفالهم الجائعة، ولا تسألني كيف يؤجر الإنسان عقله بهذه الطريقة اللامعقولة، كما لا تسألني عن الحيل التي يستخدمها المتاجرون بالدين للإيقاع بضحاياهم، ومعظمهم من الجهلة والفقراء المعدمين.
مثل هذا السلوك ليس حصرا على دين دون آخر، ولا على مذهب دون آخر، وإن كان هناك تفاوت بين الأديان والمذاهب في هذا الأمر، فبين الحين والآخر تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي بصور لبعض الوعاظ والدعاة، في دول الخضرة والماء وملحقاتها، من وجه حسن وخلافه، وتجدهم يلبسون أغلى الملابس، وفي حالة انسجام تام، تتوافق مع جمال الطبيعة، وصخب المد والجزر، وطعم الموائد الباذخة، مع أن بعض هؤلاء، غفر الله لي ولهم، كان يحرم السفر إلى الخارج، ويحرم الظهور التلفزيوني، والتصوير، ومنهم من كان يحرض الشباب على الخروج لمناطق التوتر باسم الجهاد، والغريب أنهم، كما المعمم الصفوي، لا يشعرون بأدنى خجل، ولا يعترفون بتناقضاتهم المخجلة، فما هو السبب يا ترى؟!!.
السبب، ببساطة، هو أن هناك أتباعا لكل المتاجرين بالقيم الدينية العظيمة، وهؤلاء الأتباع، غفر الله لي ولهم، سيدافعون عن وعاظهم ومعمميهم مهما فعلوا، فإن وعظوا من يتبعهم عن الزهد وسكنوا القصور فهو لحكمة، وإن ركضوا وراء المال فهو يدخل في باب أن المؤمن لا بد أن يكون قويا لا يحتاج لأحد!!، وإن غرروا بالشباب، واخرجوهم إلى بؤر التوتر باسم الجهاد، في الوقت الذي لا يحدثون أنفسهم بالجهاد، بل ويرسلون أبناءهم إلى الدراسة في جامعات الغرب فهذا أيضا له حكم، وليست حكمة واحدة، وإن خرج المزمار حسن نصرالله وتحدث عن احراق اسرائيل، وأشداقه متوردة، ويتجشأ من أثر الضرب بخمس في الرز الإيراني بالزعفران وأطايب اللحوم، فهو يعني ما يقول، ومستعد للقتال بنفسه، اذ ليس صحيحا أن هذا الكائن المنتفخ، أي نصر الله، يعيش تحت الأرض من شدة الشجاعة !!، وتحرسه قوات الحرس الثوري الإيراني!!، ولا بأس أن يغرر ابن لادن بشباب الأمة، ثم يتم قتله وهو في مخدع زوجته العاشرة، في بيته الأنيق، فهذا نوع من الجهاد السريري، والخلاصة هي أنني وصلت إلى قناعة بأن العيب ليس في المعمم ولا في بعض الوعاظ الذين يتاجرون بالدين، ويضحكون على البسطاء وحسب، بل في « الدهماء « الذين يتبعونهم مثل القطيع، خصوصا وأن منهم من يحمل أعلى الشهادات العلمية، فمن لا يمانع في تأجير عقله، يستحق كل ما يأتيه، فالله سبحانه وتعالى منحنا العقل لنتفكر، لا لنعطله ونلقي بأنفسنا إلى التهلكة، فلا تقسو على المتاجرين بالدين، فلو لم يكن هناك رعاع ودهماء يتبعونهم، لما صارت لهم قيمة، ولما واصلوا دجلهم حتى اليوم!.