د. حمزة السالم
حسب النيويورك تايمز عام 2006، فكل عشرين عاملاً في أمريكا منهم عامل أجنبي غير نظامي، وغالب هؤلاء يملكون أرقام هوية وطنية مزيفة، بل وفي عام 1990 كانت هناك عشرون مليار دولار فوائض من عوائد الضرائب لم يأخذها مستحقوها، لأن غالبهم من العمالة غير النظامية التي تستخدم هويات مزيفة. وحسب إحصائيات العمل الرسمية الحديثة، فإنّ العمالة الأجنبية في أمريكا اليوم تبلغ 25 مليون عامل أجنبي، مشكلين بذلك 16% من مجموع العمالة في السوق الأمريكية، نصفها غير نظامي تقريباً. (والعمالة الأجنبية النظامية غالبها في طريق التجنس، فما بقي عمالة أجنبية إلا غير النظامي تقريباً).
ويعتبر وضع أمريكا هو الأسوأ بين الدول الغنية المتطورة، بل أسوأ حتى من اليونان. فقد بلغت نسبة الأجانب غير النظاميين في أمريكا 3.8% من عدد السكان عام 2010 وأما نسبة الأجانب كلهم بما فيهم حملة الإقامة الدائمة، فقد بلغت 13% من عدد السكان.
- وأين المشكلة الأمريكية - التي تعتبر الأسوأ بين الدول المتقدمة - من مشكلتنا السعودية. فالأجانب عندنا يشكلون 32% من السكان، والعمالة الأجنبية تشكل 42% من سوق العمالة.
- وإن كنا قد اشتركنا مع الأمريكان في العجز عن حل المشكلة، إلاّ أننا نخالفهم بأننا نملك حل المشكلة في بلادنا، بينما لا يملك الأمريكان حل مشكلتهم. فمشكلتهم مرتبطة بعيوب أساسية في الديمقراطية. فأي سياسي يحاول حل المشكلة جذرياً، يسقط في الانتخابات، فغالب هذه العمالة لها قرابة قد حصلت على الجنسية الأمريكية، فضلاً عن ضغوطات رجال الأعمال.
فعجز أمريكا عن حل مشاكل العمالة الأجنبية النظامية وغير النظامية ليس عجزاً إدارياً، ولكنه بسبب عدم وجود رغبة سياسية مدعومة بالمصالح التجارية لكثير من التجار. بينما عجز حل المشكلة عندنا سببه سوء الإدارة وسيطرة المصالح الشخصية، وفكرنا التخطيطي المنصب على التقليد الأعمى للنماذج الدولية الأخرى التي يأتي بها المستشار الأجنبي العاجز عن حل المشكلة في بلاده.
- حل مشكلة العمالة سهل جداً، ووجه امتناعه أن مشكلته غارقة في الإنسانية من جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسوقية، فلا يصلح الأجنبي المستشار لحلها. ولا يصلح الضعيف لقيادتها، ولا يتمكن المقلد والموافق من ابتكار إبداعيات حلها من لا شيء.
- شركات العمالة ليست لنا، ولن تحقق للمجتمع والسوق إلاّ نجاحاً جزئياً، هذا بافتراض جودة إدارتها. فسوق استجلاب العمالة الأجنبية سوق إنساني محض، بضاعته مختلفة متنوعة على مستوى فردي فضلاً عن المستوى الثقافي. وهو سوق كبير يقارب نصف عدد السكان، فأنى لشركات متنافسة وتنظيمات شكلية أن تحكمه. سوق العمالة الأجنبية سوق خالق للفساد الإداري بحد طبيعته وسوق محفزة لسيطرة المصالح الشخصية عليه فهو طارد لكل أمين ونزيه. بل هو سوق تحكمه تطبيقات الفساد الإداري لغالب الدول التي يأتي منها العمالة. فالعمالة طبقات مستضعفة في بلادها غالباً، وبلادها يسيطر عليها الفساد الإداري والرشاوى غالباً.
* هذا وضع لا يصلح معه تقليد النموذج الأجنبي في شركات العمالة ولا يصلح أن يكون سوقاً تنافسية. فالسوق التنافسية تحتاج لشفافية عالية وعدالة كاملة وإجراءات منضبطة.
* فإذا سوق العمالة عندنا سوق احتكاري خلقة، وأي مخالفة عن طبيعته اليوم هي معاكسة لديناميكيته مما يجعل مخرجاته تعيسة ونجاحاته محدودة. ولذا فنموذج شركة حكومية واحدة مرتبطة بوزير الداخلية، هو النموذج التخصيصي الأصلح اليوم.
* ومن معاني كونها شركة حكومية هو أن يغلب على موظفي قيادتها وعملياتها رجال ونساء من المباحث العامة ومن الجوازات وقسم يُختار من وزارة العمل. كما يُلحق بها قسم من القضاء ليتولى جميع المشاكل القانونية والنزاعية العمالية.
* وأما تنفيذ الأعمال السوقية الداخلية والخارجية فيوكل به القطاع الخاص من الشركات والمكاتب الموجودة اليوم بعد أن يتم توحيدها وتصنيفها ومن ثم تقسيم الأعمال الداخلية والخارجية عليها. ويراعى في التصنيف خلق الاحتكارية دائماً لتتميز الجهود ويكون التنافس بين المحتكرين لا بين العمالة ولتنقطع سبل المناورة وحبال الضغط.
* والاحتكارية التنفيذية يجب أن تُطبق خارجياً وداخلياً. فلا يُسمح الاستقدام من دولة ما مثلاً، إلا عن طريق شركة واحدة - أو المدموجة - من الشركات الخاصة السابقة. وكذلك تكون الحال في الداخل، فتُقسم الخدمة العمالية على المناطق احتكارياً. وأقصد بالاحتكارية هنا أي في التنفيذ. كجوازات الرياض وجوازات مكة لها سلطة احتكارية تنفيذية. والفرق هنا أنه عند ظهور عجز أو فساد، يُنهى عقدها وتحاكم وتُسلم أخرى، كما أنّ حسن الأداء يدركه عوائد مالية ربحية.
* إنّ الخلط بين الأمن والسيطرة الحكومية وفن الإدارة المتقدمة وتوحيد القيادة والعمليات في شركة حكومية أمنية فيه ضبط للفوضى والفساد الإداري والتجاوزات الأمنية في الداخل والخارج. فمواقف الدول المصدرة للعمل ستسم بالجدية وينضبط سلوك وكلائها، بعد إدراكها للسيطرة الاحتكارية للشركة الحكومية ومدى مصداقيتها ونفوذها. فاحتكارية شخصية اعتبارية واحدة على بلد مصدر للعمالة، هو قوة سوقية هائلة تكون سبباً في قطع الفساد الإداري والإنساني في ذلك البلد، إذا صاحبه إشراف حازم وإدارة ذكية من قيادة الشركة الحكومية .
والطابع الأمني مع أثر القوة الحكومية مع عمق إنسانية الُمنتج وهو العامل والمؤجر له، يفضح أي مستور أو تلاعب أو استغلال. وبالاحتكارية تتحدد المسئولية وتنقطع الألاعيب.
حل العمالة عندنا بسيط لأنّ القيادة السياسية موحدة وراغبة حقاً في حلها، ولكن المشكلة في سيطرة فكرة أفضلية القطاع الخاص والتبعية الفكرية المطلقة للمستشار الأجنبي.