د. أحمد الفراج
منذ بداية ما يُسمى بالربيع العربي، وحقوق هذه التسمية محفوظة للأعلام الأمريكي!! وهو الإعلام الذي تحمس جداً لثورات العرب، حرصاً منه على نشر الديمقراطية والحرية بالشكل الذي نراه اليوم، في هذا العالم المنكوب، أقول منذ بداية ذلك الربيع، والإعلام الأمريكي يواصل دعمه اللا محدود لتنظيمات الإسلام السياسي، ويكفي أن تعرف أن مجلة فورين بوليسي اليمينية المتطرفة، والتي كانت تشتم كل ما له علاقة بالإسلام، لم تكتف بالترويج لتلك التنظيمات الإسلاموية، بل اختارت أقطاب تلك التنظيمات ليكونوا من عظماء عام التثوير، أي العام 2011، ومن ضمنهم جيفارا مصر، ذلك الغلام الذي يُسمى وائل غنيم، والذي ثار وبكى حتى سقط حسني مبارك، ثم اختفى عن الأنظار منذ ذلك الحين، فهو كان يسعى لجلب الديمقراطية إلى مصر، وعندما تحقق هدفه، غادرها لينعم بالديمقراطية، في البلد التي جاء منها إلى مصر ثائراً وباكياً، وهذا الكاتب يعلن من هذا المنبر عن جائزة لمن يجد وائل، فكلنا نريد أن نشكره على المساهمة في نشر الديمقراطية والحرية في عالمنا!!
الإعلام الأمريكي كان، ولا يزال، مفتوناً بالنسخة السنية من الإسلام السياسي، ممثلة بتنظيم الإخوان المسلمين، وهو الآن مفتون، أيضاً، بالنسخة الشيعية، أي بولاية الفقيه الإيرانية، وذلك منذ أن تسلكت الأمور بين أمريكا وإيران في لوزان السويسرية، ومن يتابع تصريحات الساسة الأمريكيين يلحظ أن هناك «تضاد وتناقض» بين تصريحاتهم الداعمة للتحالف الدولي لإعادة الشرعية في اليمن، وبين ما تبثه وسائل الإعلام الأمريكية عن ذات التحالف، وأرجو أن لا يحدثني أحد عن حيادية الإعلام الأمريكي، فهو الإعلام الذي بدأ يتخلى عن حياديته، منذ حرب تحرير الكويت، ثم نبذ الحيادية كلياً، منذ أحداث سبتمبر في 2001، ولعلي أحيلكم إلى حكاية عزل المذيع الشهير، دون روذرز من قناة سي بي سي، وحكايات الثنائي جورج بوش الابن وديك تشيني مع إعلام الإمبراطورية الأمريكية، وستجدون فيها الكثير عن حيادية هذا الإعلام!!
قبل يومين، كنت أستمع إلى برنامج سياسي في إحدى القنوات الأمريكية، ولفت نظري أن الضيوف كانوا يحاولون أن ينتقصوا من قدرة التحالف الدولي على دحر الخارجين عن الشرعية في اليمن، ثم تحدثوا عن تنظيم الحوثي بكل نعومة، وكأن هذا لم يكن كافياً، حتى عرّجوا على من كان يسميهم الشيطان الأكبر، أي إيران، وأخذوا يبررون كثيراً من تصرفاتها، ثم تعالت ضحكاتهم وهم يواصلون الحديث عنها، وعن نجاح المفاوضات النووية، وعن تفاؤلهم بتوقيع الاتفاق النهائي معها، وهذا البرنامج يكاد يكون نسخة من كثير مما يدور في كواليس الإعلام الأمريكي، فهل نصدّق الساسة الأمريكيين في تصريحاتهم الداعمة لمصر، ولرئيسها عبدالفتاح السيسي، والمؤيّدة لعاصفة الحزم، أم نصدّق الإعلام الأمريكي في دعمه اللا محدود لتنظيمات الإسلام السياسي السنية والشيعية؟! والسؤال بصيغة أخرى: «هل قلوب الساسة الأمريكيين معنا وسيوف إعلامهم علينا، أم أن ألسنة الساسة فقط معنا، أما قلوبهم وسيوفهم، هم، والإعلام الأمريكي كلها علينا؟!!»، وقد يخدمنا في الإجابة حقيقة أن الإعلام الأمريكي هو الصدى للسياسات الأمريكية الحقيقية، فماذا نحن فاعلون؟!