لن تجد مثل هذه الروح المتميزة في العلاقات بين من ينتمون إلى بيوت الحكم إلا هنا في المملكة العربية السعودية، فالأصغر عمراً من أعضاء الأسرة المالكة، مهما كان موقعه الوظيفي كبير في التسلسل القيادي كمسؤول بإدارة مسؤوليات الدولة، فهو يلتزم باحترام وتقدير من يكون من الأمراء أكبر منه عمراً، فيما أن الكبير عمراً لا يجد غضاضة بأنه يصوت لمن هو أصغر منه ويبايعه ملكاً أو وليّاً للعهد أو وليّاً لولي العهد، بكل الرضا والاحترام والتقدير.
***
ألم تشاهدوا الأميرين خالد الفيصل وسعود الفيصل وغيرهما في قصر الحكم يهنئون ويبايعون الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، وهم أكبر منهما سناً، وكيف كان ذلك المشهد الجميل والمؤثر في الاستقبال والترحيب من قبل الأميرين بمن قدم لقصر الحكم لهذا الهدف، ما ينم عن ثقافة تظهر بفخر الأسلوب غير العادي في تداول الحكم بين أعضاء الأسرة المالكة، وهو ما لا مثيل له في أي دولة في العالم.
* * *
صورة أخرى تبدو الأكثر تأثيراً، الأعمق معنى، حين سبق ولي العهد السابق سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز جموع الأمراء والمواطنين لمبايعة الأميرين الأصغر منه عمراً في قصر الحكم، بعد أن التمس من أخيه الملك سلمان إعفاءه من ولاية العهد، ثم قيامهما بعد انتهاء مبايعة المواطنين لهما بزيارة لسموه في قصره العامر، ما يعني أن هذه الأسرة الكريمة تقدم هذا النموذج الأصيل والمشهد غير المسبوق في تأصيل الحكم بهذه المثاليات.
* * *
هناك ما حمل من الدلالات والقيم والتواضع ما هو أكثر بهاء وجمالاً وأهمية وقيمة بين كل المشاهد التي مرت بكل منا في حياته، حيث الأبوة التي أعطى الملك سلمان لها قيمة ومعنى، وعلمّها لغيره، بزيارته لأخيه وحبيبه الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي هو بمثابة أحد أبنائه، شاكراً له ما قدمه من خدمات لوطنه ومواطنيه، بعد أن لبى رغبة سموه باعفائه من ولاية العهد، مشيراً إلى مكانته الأثيرة في نفسه شخصياً.
* * *
فيا كل الناس، ملكاً، ولياً للعهد، ولياً لولي العهد، وكل الأمراء والمواطنين، هذه الدولة قامت على الحب والتوادد، والتعاطف، والتكاتف، والاخلاص للوطن، تؤطرها العقيدة الإسلامية الصافية، وشهامة وفروسية وأخلاق العرب، وقد عشنا شيئاً من ذلك خلال اليومين، وكانت صورتها واضحة وجلية وهي كافية -بنظري- عن مزيدٍ من القول أو كثيرٍ من الكلام عنها.