جلال الطالب
دائما ما أنقب بسير الفنانين التشكيليين، وخصوصا السعوديين منهم، حيث إنني بالوقت الراهن أعمل على كاتب من القراءات نقدية، لبعض من التجارب الفنية للحراك التشكيلي السعودي.
فلفت انتباهي صفة يتصف بها البعض من التشكيليين بسيرهم الفنية، فيصفوا ذواتهم أنهم فنانون متفرغون، أو « فنان متفرغ للفن « الحقيقة أنني تعجبت كثيرا، من هذا التوصيف، الذي أتى متأخرا، فجلهم أناس تقاعدوا من وظائفهم الرسمية بالقطاعات الحكومية، وبعد تقاعدهم أضافوا « فنان متفرغ للفن «.
لست هنا بالضد أن يكون الفنان متفرغا للفن بعد التقاعد, وأيضا لست مع أن يكون غير متفرغ بعد التقاعد, فالمسألة لها عدة أبعاد, منها العمق الفسيولوجي لدى الفنان، بأن يصف ذاته بذلك الوصف، وأيضا البعد الاجتماعي، والأهم من هذا وذاك البعد التنظيمي.
العمق الفسيولوجي :فهو ينتشي بين جلسائه أنه فنان متفرغ, فتمنحه تلك الصفة التمييز بين قرنائه، بيد أنه لو تفرغ للفن على حد زعمه، واعتمد عليه كمهنة يرتزق منها منذ بداية مشواره الفني، فهو أشبه بإنسان يمشي على خيط رفيع فوق وادي سحيق, ليحيا بين حالتي المفهوم الفكري والثقافي للمنجز الفني الذي يؤمن به الفنان حتى الثمالة, والأخرى إخضاعه للمعادلات التسويقية والربحية بالعرض والطلب, لانتهازية صالات العرض مستغلة حاجة الفنان المادية.
أما البعد الاجتماعي : فتركيبته وخامته تتكون من مشكلة تحولت بمرور الزمن إلى إشكالية, يصعب حلها فالذهنية الاجتماعية، تنقسم إلى حالتين أيضا الأولى يرون أن الفن شيء من الترف فلا يعيرونه أي اهتمام، والحالة الثانية يرون أن الفن شيء من السخف، ويجب محاربته وتكفيره إن لزم الأمر متمرتسين خلف صخرة مكتوب عليها سد الذرائع.
البعد التنظيمي وهو المهم : فوزارة التجارة تفتقر لتصاريح مهنة فنان تشكيلي، لتحفظ حقوقه التجارية، وكذلك وزارة الخدمة المدنية، لا يوجد بها وظيفة بمسمى فنان تشكيلي, كما هو حاصل في بعض الدول، التي تعي دور الفنان التشكيلي, بالرقي بمجتمعة ووزارة الثقافة والإعلام, فهي تحيا بحالة من السبات أللا متناهي, فما المانع من أن تُنشئ وتقر وزارة الثقافة لدينا نظاماً للتفرغ الإبداعي بمعدل سنتين، لثلاثة أفراد من الجنسين لكل مجال لاهتماماتهم الأدبية والفنية والنقدية، بالتنسيق مع الوزارات الأخرى وهو غير مكلف مادياً كون الأمر يقتصر على التفرغ من العمل بعد اجتيازه مراحل الطلب وفي ظل وجود النوادي الأدبية والدعم السخي لها وجمعية التشكيليين ما يجعل المهمة سهلة لإيجاد اللجان الفرعية، ومن ثم اللجنة الأساسية في الوزارة، ونكون بذلك قد عززنا الثقافة بأعمال نخبوية نقارع بها الأمم الأخرى، وأسهمنا في إيجاد المناخ المناسب للمبدع بعد هذا نيقن أن من كتب بسيرته الذاتية فنان متفرغ للفن قد كتبها بيقين مطلق أي قلبا وقالبا.