إبراهيم عبدالله العمار
قال أحد المستكشفين: إن نزول الكهف العملاق يشبه تسلق قمة إفرست.. بالمقلوب!
كم دُهِشتُ لما عرفتُ عن حقائق الكهوف العظيمة، وهي معلومات أتى بها كتاب «النزول الأعمى» الذي يروي قصص أشهر مستكشفي الكهوف. إن الكهف ليس مجرد فتحة في جبل يدخل فيها المرء ويستكشف بسهولة. من الهوايات الخطيرة شيء يسمى استكشاف الكهوف العظيمة، وهذه كهوف ليست عادية، بل هائلة، وهي ليست فجوات أفقية بل هي غالباً فتحات كبيرة عميقة عمودية في الأرض، وبدلاً من المشي خلال الكهف فإن المستكشف ينزل مستخدماً الحبال ومعدات النزول. خذوا مثالاً يصف ضخامتها: في أحد تلك الكهوف العملاقة هناك مدخل.. هذا المدخل عرضه 70 متراً وارتفاعه 30 متراً وطوله 200 متر، أي أنه يسع بسهولة 3 طائرات بوينغ 757. وهذا المدخل فقط، أما حجم الكهف فلا يكاد يوصف!
استكشاف هذه الكهوف أخطر بكثير مما يظن المرء. ما هي الأخطار في الكهوف العملاقة؟ كثيرة: السقوط القاتل، الدفن حياً، الاختناق، التجمد، رياح بقوة الأعاصير، الصعق الكهربائي، انهيارات بسبب الزلازل، غازات سامة، جدران تقطر أحماض الكبريت أو الهيدروكلوريك الحارقة التي تضر الرئة والعين والجلد والأمعاء ضرراً دائماً. كل هذه العوامل يمكن أن تكون قاتلة. هناك أيضاً الغرق! هذه الكهوف يوجد فيها أنهار جارية!
ليس هذا فقط، بل هناك خفافيش مسعورة، ثعابين، عقارب وعناكب سامة، غاز الرادون المسرطن، ميكروبات تسبب أمراضاً بشعة مثل داء النوسجة حيث تتضخم الكبد والطحال والخلايا اللمفاوية، وكذلك الداء الليشماني الذي يشوه الجلد ويضر الكبد والطحال ويسبب فقر الدم. كهف كيتوم في أوغندا هو مصدر فيروس ماربورغ المتوحش الذي يشبه فيروس إيبولا.
أخطار المعدات تشمل الاختناق بحبال النزول، انقطاع الحبل والسقوط، نفاد الضوء، مشاكل في الحبل، التعلق بالقدم، وغير ذلك. هناك أيضاً خطر الضياع. لما ضاع بعض المستكشفين ذات مرة لم يكن معهم إلا لوحان صغيران من الشوكولا، وهما غذاء 5 أشخاص لعدة أيام! وكان عليهم الاقتصاد فيها لأنهم لم يدركوا متى ينجون، أو إن كانوا سينجون أصلاً.
أما الشيء الأخّاذ من هذه الناحية فهو أن أخطار الكهوف ليست خارجية فقط بل داخلية.. أخطار نفسية وعقلية يخلقها الكهف داخل مخك، فيثير في عقلك رهاب الأماكن المغلقة، والقلق، والأرق، والهلوسة، واضطرابات الشخصية، وكذلك حالة نفسية لا توجد إلا في الكهوف تسمى «الجذل»، تشابه نوبات الذعر ولكن بشكل أشد، ويمكن أن تضربك في أي وقت لكن غالباً تصيب إذا تعمّقتَ داخل الكهف. هذه تصيب حتى المستكشفين المحترفين.
أخيراً يجب ذكر أشهر أخطار الكهوف.. خطر بالغ الوضوح لكن لا يدرك الشخص قسوته إلا إذا نزل في الكهف وقضى فيه وقتاً: الظلام. ظلامٌ قاسٍ. بحرٌ من الظلام.. محيطٌ من السواد يحاصر كل خلية في كيانك.. ظلامٌ أبديٌ.. جبار.. يقهر كل شيء.. يبتلع كل شيء.. لن ترى مثله أبداً.
هذه بعض الأخطار وليس كلها، وأتعجب من إصرار هؤلاء المستكشفين على تحدي الأخطار –وبعضهم قَتلته تلك الكهوف– وعزمهم على مقاومة الظروف الصعبة، وتحية لهم إذا كانوا يفعلون هذا من أجل العلم ونفع الناس.