عميد ركن د. محمد زيد القحطاني
فيما يتعلق بعاصفة الحزم على الصعيد الخليجي فإن موقف قادتنا المنسجم والمتناغم كان واضحاً جداً. وقد كان هذا نتاجاً لحزم السعودية ووضوحها بأن قراراها لا رجعة فيه ولا تخاذل عنه، وأن على الجميع أن يثبت إخوته أو عقوقه، لأن الوقت لا يمهل ومطامع العدو لا تُجهل. أما ضمن البعد العربي فكان لقرار السعودية الجريء أن بث روح العزة وأوقد جذوة الأمل، في موقف عربي موحد تجاه قضايا الأمة المختلفة، في ظرف كاد اليأس أن يخنق الجميع. وأصدق معطيات هذا المشهد تجسدت في التحالف الوثيق للعديد من الدول العربية مع قيادتنا الحكيمة بسرعة وسلاسة.
ثم لا يجب أن نغفل عن صدى هذا القرار لدى الجماهير العربية على اختلاف مشاربهم السياسية، حين أجمعوا على أنهم في أمس الحاجة له، لأنهم طالما أنفوا من مواقف التخاذل المتكررة والمواقف السلبية تجاه التغول الإيراني والتخادم الصفوي-الصهيوني ضد مصالح العرب. وفي قرارات قمة شرم الشيخ على أرض الكنانة شهادة بنجاح وأثر هذه الأصداء. إن العرب يقرون للسعودية بالاستماتة في تكرار المبادرات، ولا ينكرون عليها ضخ المليارات، غير أنها اليوم في نظرهم قد انتقلت من دائرة الدعوات إلى العزمات.
وعلى الصعيد الإسلامي فإن بالإمكان أن يقال بشيء من الشمول ما يقال على المجال العربي. حيث إن السعودية قد حُفّت بعاطفة مليار مسلم من أهل السنة والوسطية ضد تمرد القلّة الملتفّة على ملالي قم في باطل أطماعهم ضد معتقد ومصالح ووحدة الأغلبية. بل وثبت للجميع أن لا وجود لأي تعاطف يُذكر لأي معتقد متطرف (داعش- القاعدة) حين يكون لواء القيادة مرفوعاً من أرض الحرمين. وليس هناك أصدق دلالة من موقف «إسلام أباد وأنقرة» كعاصمتين من أهم وأكبر العواصم الإسلامية. وحين ننتقل إلى البعد الدولي فإن لي الحق أن أقول إن ذهول العالم من هذه العزمة السعودية قد أخذ مداه وفرض عليهم الإقرار بالحق السعودي في استخدام القوة، بل ورفع الجميع القبعة إعجاباً واحتراماً بما تم.
كلهم ليسوا على المستوى نفسه من القبول والمباركة، لكن لا أحد يصرّح بأقل مما صرّح به الآخر لكي يبدو وكأنه أصدق الأصدقاء. إنه منطق القوة أيها القارئ الكريم الذي نحن أهله والقادرون عليه بإذن الله {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. إنني على يقين أن عاصفة الحزم قد رسّخت لدى جميع العواصم المؤثرة دولياً، في سبيل حماية مصالحها، أن الرياض هي المحطة الأولى التي عليهم التوقف بها وليس طهران.
قبل الختام أجد أنه لابد أن اختص طهران بشيء دون غيرها. فإيران أحد دول المنطقة الكبرى التي لابد من التعايش معها كما قد تعايشنا من قبل، ولكن يجب على طهران أن تتعايش مع واقعها كما تعايشت معه لقرون، وعليها أن تدرس تاريخها جيداً فلها فيه عبرة. لم يكن لها منذ أن لبس سراقة رضي الله عنه تاج كسرى وسوارية أن تتجاوز هضبتها. وعلى ملالي قم أن يحرّموا اللعب بكروت الطائفية لأن إيران ستكون الخاسر الأكبر لو استخدمناها ضدها.
فالديموغرافيا الإيرانية تتكون من عرقيات كثيرة بينها سبع رئيسة، لكل منها لغته وثقافته الخاصة، وبينهم من أسباب الفرقة أكثر مما يوحدهم. كما أن بها من أتباع السنة ما يماثل أتباع الجعفرية أو يفوقه لو تمت الإحصاءات بتجرد. وعلى طهران أن تدرك أن للرياض مجالاً حيوياً من الواضح لكل ذي لب أن عاصفة الحزم قد رسمته وفرضت هيبته، وأن العالم كله عربياً وإسلامياً ودولياً قد أقر به، وأنها ملتزمة بكل حزم أن تحميه.
وعلى طهران أن تدرك أن تشدقها بسقوط العواصم العربية وأطماعها فيها قد جلب لها الويل، وأن معركة تحرير العواصم الأربع قد بدأت وستنتهي بالتحرير بمشيئة الله أولاً، ثم بوقوف أهل الحق صفاً واحداً دعماً لموقف العزم من سلمان الحزم (إذا كان ما ينويه فعلاً مضارعاً *** مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازم).