العقيد ركن د. محمد زيد القحطاني
في لحظة حاسمة تعمقت القناعة في الرياض بعد حلم طويل وصبر جميل أن
(لا خير في حلم إذا لم يكن له
بوادرُ تحمي صفْوَه أن يُكدَّرا).
فالحقيقة الصارخة أمامنا أنّ من استمتنا لحقن دمه، قد أشرع حرابه لسفك دمائنا بعد أن رواها من دماء أهله، متواطئاً مع طواغيته في قم. وهنا كان لابد من الحزم في الفعال الذي هو صفة أهل العزم من الرجال، فكنّا على موعد مع
(خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها
وللمهيمن في تأخيرها شان).
إن خادم الحرمين مضطلعاً بأمانته الدينية ومسؤوليته الدنيوية، ومؤيداً بالله جل اقتداره حين بمنّه اختاره، لطفاً بنا وتدبيراً لنا، قرر بحزم وعزم، في موقف مشهود ويوم موعود، أن يكون للحزم عاصفة بالحسم قاصفة، ضد من أناخوا أنفسهم مطايا للتغول الصفوي. كان لا بد من هذه الإقدامة لحفظ اليمن وشرعيته، ودفاعاً عن الأمن الوطني السعودي، وصوناً للهوية القومية العربية، بل وحماية المعتقد الإسلامي الوسطي السمح المتمثل بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
(فما خير كف أمسك الغل أختها
وما خير سيف لم يؤيد بقائم).
إن عاصفة الحزم مع كونها ضرورة قصوى، فهي أيضاً مشروعة بكل وجه ومنحى. فهي استجابة لطلب الحكومة الشرعية اليمنية انطلاقاً من مبدأ السيادة الذي يؤسِّس لحقها بحماية الدولة ومؤسساتها ضد أي تهديد داخلي (الانقلابيين) أو خارجي (إيران)، والمبني على شرعية الدفاع عن النفس المقرر بنصوص القانون الدولي وبميثاق الأمم المتحدة في المادة 51. ولهذا التبرير أسبقيته على ما يتلوه لأهميته من منظور المجتمع الدولي الذي قبول بهذه الخطوة بمثل هذا الإجماع. أما للعرب والمسلمين فعلينا أن نعترف بأن عاصفة الحزم هي تنفيذ لشريعة الإسلام في قوله تعالى وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ وقوله سبحانه فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ . كما أنها تفعيل بنّاء لمعاهدة الدفاع العربي المشترك وميثاق الجامعة العربية. وعلى الصعيد السعودي-اليمني فإنها متسقة تماماً مع المعاهدات المبرمة بين البلدين، بدءاً بالطائف 1934 ومروراً بمعاهدة الأخوة والتحالف 1937 وانتهاء بمعاهدة جدة 2000. لقد تضمنت جميعها أن لا تكون أراضي أي منهما مصدر تهديد لأمن الآخر، وأن الاعتداء على أي منهما يوجب تدخل الآخر لنصرته عندما تطلب حكومة أحدهما التدخل. وهذا ما حدث بالضبط كنتيجة للتدخل الإيراني ومرتزقته، وما آلت إليها الحال في اليمن بعد الانقلاب على الشرعية.
إن هذا القرار الجسور والحكيم لسيدي خادم الحرمين، قد أعاد من جديد ترتيب الأوراق بيد الحكومة السعودية، وأعاد في اللحظة ذاتها خلطها على حكومات إقليمية ودولية. وخلط الأوراق على الآخرين وبمفاجئة مذهلة، هو المهم في هذه الوقفة الحاسمة من وقفات التاريخ التي قلما يعير فيها اهتمامه لأحد، وخصوصاً مع تسارع إحداثه في عصرنا الراهن. فعلى الصعيد اليمني أعادت السعودية نبض الحياة من جديد لشرعية الأصدقاء، بعد أن كانوا بين مخذول باستسلامه ليأسه أو متخاذل لريبه وتوجسه، ضد أقزام السياسة من عصابات المخلوع ومرتزقة الحوثي. لقد قصمنا ظهر الفئة الباغية وتقزّمت بعد أن تغوّلت، وأدركت في ربع ساعة أنها انتحرت حين يممت شطر طهران.
فنحن (إذا ما غضبنا غضبة «سعودية»
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما).
والمهم بل هو الأهم، أن السعودية بقرارها تجاه اليمن بأهميته الجيوسياسية، وعلاقاته بنا من الأوجه كافة، وارتباطنا الوثيق عاطفياً وعقدياً، لم تؤمن فقط عمقاً استراتيجياً، بل إنها حمت مجالاً حيوياً عليها أن تحميه، لأنها تستحقه بجداره، وفرضت على الجميع أن يقفوا عند حوافه ويحترموا إرادتها ضمن حدوه.