د. مساعد بن عبدالله النوح
التعبئة النفسية ببساطة تعني نشاط مقصود، يبذله طرف تجاه طرف آخر؛ وذلك بقصد أهداف محددة، قد تكون سارة أو غير سارة، وتتطلب مهارات من نوع خاص للتفنن في تشكيلها بما يناسب طرفي الموقف والتغيرات في مجرى الأمور...
كما أن لها أشكالاً متنوعة، وتتوزع إلى مجموعات وفق معايير: العدد، المجال، الصعيد، الهدف، الإمكانات، النتائج وتكتيكات تقبل التغذية الراجعة بصفة مستمرة. وهي واحدة من الاستراتيجيات التي يستخدمها الطرف المعادي ضد خصمه وندّه.
والنمط الذي تركز عليه هذه المقالة هو الشكل المضاد، وهو الذي تستميت على استخدامه إيران، ومن أهدافه: تبرير إحداث الفوضى للخصم، ولفت انتباه الآخرين له، وزيادة عدد منتقديه، والتركيز على نقاط معينة في حراكه وتفخيمها، وإضعاف الروح المعنوية لديه، وإفقاده الثقة بنفسه وبفريقه وخططه وإمكاناته، وإشغاله في ذاته، وإشعاره بالنقص والضعف أمامه، وتنمية الشعور بالملل والإحباط، وصرفه عن متابعة التطورات.
وبمتابعة الحراك الإيراني خلال فترة عمليات عاصفة الحزم (26 مارس - 11 إبريل/ 2015) يمكن رصد أشكال التعبئة النفسية المقصودة التي يشكّلها ويمارسها النظام الإيراني أمام الرأي العام على مختلف الصعد الوطنية والإقليمية والدولية المضادة للمملكة العربية السعودية، وهي واحدة من الأعمال العبثية التي تكشف عن وجهه القبيح، ومقاصده الدنيئة، ونواياه السيئة، مستخدماً كل الإمكانات البشرية والمالية والفنية بقصد تكوين اتجاهات سلبية مختلفة المستويات عن السعودية. وبمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة يمكن تحديد ثلاثة أشكال للتعبئة النفسية أو الشحن النفسي ضد المملكة العربية السعودية، هي:
الشكل الأول:
ركزت هذه المقالة على المواد الإعلامية التي نشرتها الصحافة الإيرانية أو غيرها عن طريق رموز شيعية، وعلى وجه التحديد إيرانية. ومن أمثلة هذا الشكل:
«تصريح نشره موقع صحيفة وطن في (6 إبريل 2015) على لسان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في مقابلة له مع قناة الإخبارية السورية، مفاده (إن الموقف السعودي الخليجي تجاه إيران سببه معاداتها الكيان الصهيوني وليس المذهب الشيعي). ويتضح من هذا التصريح التخبُّط في التعبير، والربط غير الموفَّق بين الأحداث.
«خبر نشره موقع الصحيفة ذاتها في الوقت ذاته من موقع عماريون الإيراني الشهير المقرب من الحرس الثوري عن تحالف سني يضم السعودية وتركيا وقطر»، في إشارة منه إلى أن لإيران الحق في تصدير ثورتها والتمدد الشيعي.
«نشر الموقع في الوقت نفسه نقلاً عن وكالة أنباء فارس الإيرانية أن الإخوان في اليمن (حزب التجمع اليمني للإصلاح) يقدمون معلومات استخباراتية للسعودية؛ تهدف إلى تقديم العون لطائرات التحالف العربي الموجهة للحوثيين».
«نشر موقع صحيفة عربي 21 في (6 إبريل 2015) نقلاً عن وكالة أنباء إرنا الإيرانية اتهام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني السعودية باحتلال اليمن، وأن عمليات عاصفة الحزم تتسبب في مقتل المسلمين، وتؤدي إلى انهيار البنية التحتية للبلاد».
«خبر نشره الموقع ذاته في (8 إبريل 2015) نقلاً عن وكالة العمال الإيرانية للأبناء أن السلطات السعودية رفضت السماح لطائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية (إيران آير) بالهبوط في مطار جدة السعودي، وعلى متنها (290) معتمراً. وتبين من مصدر مسؤول في مطار جدة أن سبب رفض هبوط الطائرة أنها لا تحمل تصريح عمرة».
«خبر نشره موقع صحيفة كيهان الإيرانية الناطقة باللغة العربية في (9 إبريل 2015) من أن طيران السعودية يستهدف مدارس الأطفال، ويرتكب مجازر جديدة يسقط فيها عشرات الشهداء والقتلى».
«قيامها بدور حمامة السلام في سعيها لحل الملف اليمني بواسطة الدبلوماسية، فقد اتجهت لسلطنة عمان ولباكستان ولقطر، وهي في الوقت ذاته تزود الحوثيين بالسلاح».
«خبر نشره موقع صحيفة وطن في (9 إبريل 2015)، مفاده أن حملة شديدة شنها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامئني بسبب الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد المتمردين في اليمن، وطالب بوقفها؛ إذ وصفها بأنها (أعمال إجرامية)».
الشكل الثاني:
ويتمثل في الاستفادة مما يسمون المعارضين السعوديين في الخارج لنشر تصريحات، أو إقامة محاضرات، أو عمل لقاءات إعلامية في قنوات معروفة بموالاتها لإيران. وقد جعلت هذه القنوات أفراد هذه المعارضة ضيوفاً مستمرين لها، أو يلجؤون إلى قنوات التواصل الاجتماعي ونشر تغريدات عبر تويتر، أو ينشرون مقاطع للفيديو عبر اليوتيوب (Youtube)، ويعبرون عن استنكارهم لعاصفة الحزم في اليمن، ويحللون مجرياتها وفق خبرات سابقة لهم غير سارة مع الدولة. فما أشد ألمك يا وطني عندما تأتي الجراح من أبنائك.
الشكل الثالث:
ويتمثل في شراء ذمم مواقع إلكترونية وكتّاب من جنسيات عربية وغربية للتقليل من أهداف عاصفة الحزم، بدءاً من اسمها وتوقيتها وقواتها واستراتيجيتها ونهايتها. ومن أمثلة هذا الشكل:
«خبر نشره موقع صحيفة شؤون خليجية الإلكترونية في (7 إبريل 2015) منقول عن ديبكا فايل، وهو المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، بعنوان (السعودية قصفت مركز الاستخبارات الروسي في عدن ومنعت موسكو من الإجلاء الجوي)».
«وتعليق المحلل السياسي والعميل السابق في مكتب مكافحة الإرهاب لدى CIA فيل مود المنشور في موقع CCN بالعربية أن العمليات الجوية السعودية لن تتمكن بمفردها من إنهاء الحوثيين، وإن كانت قد أوقفت بشكل واضح تقدمهم على الأرض».
وفي الوقت ذاته تقابل المملكة العربية بالسعودية هذه الأشكال للتعبئة النفسية الإيرانية بالتجاهل المقصود، الذي أجزم بأنه سبب هوس وثوران خصمها في التهيج النفسي والإعلامي المستمرين، مع علمه بأن السكوت لم يكن ضعفاً ولا خوفاً ولا رجاء في إيران.
سدد الله خطى المخلصين في بلادي قيادة وحكومة وقوات مسلحة وشعباً ومقيمين، ونصرهم في حربهم على من انقلبوا على الشرعية في اليمن.