يوسف المحيميد
هناك وزارات لديها تركة ثقيلة، وملفات ضخمة ومتعددة، يصعب حلها إلا بقدرات وكفاءات إدارية تنظيمية شابة وطموحة، من بينها وزارة الصحة، فهي من نوعية الوزارات التي لا يعرف المرء من أين يبدأ فيها؟ ومن أي ملف؟ هل من توظيف الشباب في المجال الصحي؟ أم مجابهة الأمراض الوبائية مثل كورونا؟ أم توفير أسرة للمرضى؟ أو توفير عيادات وكفاءات طبية تكفي للحصول على موعد عيادة لا يبعد أكثر من أيام أو أسبوع، كالمستشفيات الخاصة، وليس الانتظار لسنوات طويلة؟ أم لمّ شمل الممرضات المغتربات بذويهن وعوائلهن؟ أم الاستمرار في محاولة النظر في ملف التأمين الطبي للمواطنين، الذي استعصى حله إلى درجة تثير الشك بجدية وإخلاص من يستلم هذا الملف!
وخلال حفل تدشين أمير منطقة الحدود الشمالية مؤخراً لمشروعات طبية، والذي حضره وزير الصحة، كانت تلك فرصة ثمينة للمواطنين، لمقابلة وزير الصحة، وتقديم الشكاوى المتنوعة، من المطالبة بنقل موظف في القطاع الصحي، إلى البحث عن سرير مفقود، فكانت فرصة مواطن شاب شاكس الوزير، يعاتبه بأنه الوزير، وبيده القدرة على نقل من يريد، وفعل أي شيء، هذا ما تعارفنا عليه، لعدم وجود الآلية المعروفة والنظام الذي يقود هذه المسائل، ولا أسوأ من مطالبة المواطن، إلا إجابة أحد مرافقي الوزير، بقوله: إن الوزير ليس شمساً شارقة! أي لا يستطيع عمل كل شيء!
ومن قال إننا نريده أن يعمل كل شي بنفسه؟ نحن نريد ذهنية إدارية فذة، تفتح الملفات كلها، تعثر على جذر المشكلة، ثم تبحث عن الحلول المتاحة، ونبدأ التنفيذ وفق خطة زمنية واضحة ومحددة، حتى نتمكن من مساءلة أنفسنا كل فينة، عم أنجزناه فعلاً، ومتى تم هذا الإنجاز؟ وهل تحقق في الموعد المبرمج فعلاً، أم احتجنا إلى تمديد فترة التنفيذ؟ أم تعثر الأمر برمته؟
كثير من مشاكلنا وعثراتنا على مستوى العمل الحكومي، هي لأسباب إدارية وتنظيمية، نحن لا نضع خطط وننفذها، ونتابع التنفيذ، نفشل ونخسر الكثير فقط لعدم المتابعة، ولعدم إحساسنا بالمسؤولية، فلو كان أول شروط العمل هو الانضباط والشعور بالمسؤولية على كافة المستويات الوظيفية، لأنجزنا الكثير، ولم يحتج المواطن أن يتسوّل حقوقه عند وزير، ولا وجدنا مرافقاً للوزير ينافح عنه أمام الآخرين، ويقنعنا أنه ليس شمساً شارقة!
حينما يسمع الإداري الناجح مثل هذه العبارة، يدرك جيداً أن أمام مسؤول مركزي جداً، لا يقبل بتفويض السلطة والمسؤولية للموظفين الآخرين، حتى يتفرغ للقرارات الحساسة والمؤثّرة في سير العمل، فالعمل اللا مركزي، وتفويض سلطة العمل لنواب ووكلاء أكفاء، هو ما يجعل العمل يتقدم جيداً، دون الحاجة إلى وزير بوظيفة شمس شارقة.