د. محمد بن عبد الله ال زلفة
في الأسبوع الماضي احتفلت مدينة الغاط بجائزة الأمير خالد بن أحمد السديري للمتفوقين من الطلاب برعاية كريمة من سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز.
والأمير الذي تحمل الجائزة اسمه واحد من رجالات الدولة الذين أسهم مع أشقائه من أسرة السديري الكريمة في بناء وترسية قواعد وحدتنا الوطنية، ولهم ولكل من ساهم معهم من أبناء وبنات هذا الوطن في أعناقنا دين أقل ما نقوم به وفاء لهذا الدين هو الإشادة بهم وتذكرهم في كل مناسباتنا الوطنية.
الأمير خالد بن أحمد السديري ومنذ نعومة أظافره وهو مشارك في خدمة هذا الوطن وفي أكثر من موقع، فلقد كان مساعدًا لأخيه تركي بن أحمد السديري في إدارة منطقة عسير حينما أوكل الملك عبد العزيز إمارة هذه المنطقة الحساسة إلى الأمير تركي عام 1352هـ في وقت حساس، حيث كانت العلاقات السعودية - اليمنية قد بلغت ذروة التوتر بسبب تدخلات إمام اليمن على حدودنا الجنوبية التي أدت في النهاية إلى دخول المملكة مضطرة في حرب مع إمام اليمن بعد أن استنزفت كل المحاولات من جانب الملك عبد العزيز في تجنب الحرب، كانت هذه الحرب التي تعد الأكبر التي واجهت المملكة منذ اكتمال وحدتنا في عام 1351هـ، قد حسمت خلال ستة أسابيع وهي مدة أمد الحرب التي استمرت ما بين 15 أبريل و13 مايو سنة 1934هـ أجبرت إمام اليمن على الاستسلام والخضوع للمحادثات التي أنهت كل الخلاف على الحدود الجنوبية بموجب اتفاقية الطائف عام 1934هـ، وما تقوم به المملكة الآن من خلال «عاصفة الحزم» في عهد الملك العظيم سلمان بن عبد العزيز التي اضطرت إلى دخولها بعد أن استنفدت كل وسائل تجنب الدخول في حرب مع الحوثيين الذين أصبحوا بعمالتهم الواضحة لإيران يشكلون تهديدًا لحدود المملكة الجنوبية بل تهديد لاستقرار المملكة وأمنها وأمن المنطقة العربية خاصة.
وللمقارنة بين حرب 1934م وحرب 2015م وفيها من التشابه الشيء الكثير مع بعض الفوارق والمعطيات سأقوم بدراسة مقارنة لكي يعرف أبناء هذا الجيل أن المملكة لن تسمح لأي كان أن يمس شبراً من أرضها أو سيادتها أو كرامتها، وأنها لم تكن يومًا مبادرة لأي جار بعدوان وأنها لم تدخل في حرب إلا مجبرة عليها وواثقة من الخروج منها منتصرة. في تلك الظروف وأجوائها باشر الأمير خالد بن أحمد السديري مع أخيه الأمير تركي في منطقة عسير وظل نائبًا له بل أمير للمنطقة لفترة قبل أن يعين أميرًا لمنطقة جازان ثم أميرًا لمنطقة الظهران في المنطقة الشرقية، ثم وزيرًا للزراعة ثم تقلده مناصب عديدة مختلفة آخرها أميرًا لمنطقة نجران بعد قيام الثورة اليمنية في عام 1962م، وتهديد حدودنا الجنوبية من قبل القوات المصرية في عهد الرئيس عبد الناصر مدعمًا للجمهوريين ضد الملكيين. وكان اختيار الملك فيصل رحمه الله للأمير خالد السديري أميرًا لهذه المنطقة المهمة في هذه الظروف المهمة لها دلالتها الواضحة.
في عام 1365هـ - 1945م والحرب الثانية في أشدها وكانت سنوات الحرب قاسية على العالم كله وعلى المملكة بشكل خاص، حيث قلت موارد الدولة وخفضت رواتب الموظفين ومن ضمنهم المعلمون والأئمة، وكان الأمير خالد السديري يقوم بإمارة عسير أثناء غياب أخيه الأمير تركي، وكان من المتضررين بتخفيف الرواتب الشيخ طاهر الحفظي أحد علماء عسير من رجال ألمع وكان إمامًا ومدرسًا في بلدته، وكان راتبه قبل التخفيض ثلاثين ريالاً ثم مع تقليص الرواتب انخفض إلى عشرة ريالات وهو ما أثر على دخله ومصروفات عائلته، مما جعله يلجأ إلى الأمير خالد السديري يشكو إليه أمره في هذه القصيدة التي عثرت عليها ضمن أوراق خاصة لإحدى الأسر، وفي ظني أنها لم تنشر من قبل وكان الشيخ طاهر يعرف محبة الأمير خالد للعلم والعلماء فجعله مقصد شكواه، فاستجاب لطلبه برفع شكواه إلى الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي كان أكثر محبة للعلماء خصوصًا إذا كان من أسرة علم وشاعر مفوه مثل الشيخ طاهر الذي أمر ليس بإعادة راتبه إلى ما كان عليه 30 ريالاً بل رفعه إلى مائة ريال، وللأسف لا نعرف كيف كانت ردة فعل الشيخ طاهر الذي لم أعثر على شيء من أوراقه ولعل أولاده أو أحفاده يمنون علينا بالاطلاع على أوراقه الخاصة للمزيد عن المعرفة بهذا الشيخ.
أردت بنشر هذه القصيدة في هذا الوقت بالذات لتزامنها مع احتفال أهالي الغاط بجائزة الأمير خالد السديري لتكريم المتفوقين من طلبة المدارس، وتذكيرًا باهتمام الأمير السديري بهذا الشيخ المعلم في ظروف كانت في غاية الصعوبة.
رحم الله الأمير والمعلم ورحم الملك عبد العزيز الذي ظل طوال عمره ملكًا كريماً سخيًا حتى في أصعب الأوقات.
وهذه قصيدة المرحوم الشيخ طاهر بن عبد الخالق الحفظي للأمير خالد بن أحمد السديري عام 1365هـ حيث طلع إلى أبها وشرح له النقص الذي حصل في راتبه من 30 ريالا إلى عشرة ريالات.
أيا خالد لا زال أمرك خالداً
وسعدك في كل الأمور مجدداً
وقدرك مرفوعاً ومجدك طيباً
ورأيك مقبولا رشيداً مسدداً
وتعلو من الله مجداً ورفعه
وتسمو على الأقران فخراً وسؤددا
وتصبح مسروراً بما أنت آمل
وتمسي بما تهوى من الخير مسعداً
عليك من الحفظي ألف تحية
حكى طعمها ماءً زلالاً مبرداً
وبعد فإني قد أتيتك زائراً
أجدد عهداً للوداد مؤكدا
وإني لكم راع محب وتابع
لمن شيد الحق المبين ووحدا
وظيفتنا التدريس والذكر والدعاء
لداعي الهدى عبد العزيز أبى الندا
أدام إلهي سر مملكة له
ولا زال منصوراً عزيزاً مؤيداً
فقد صرت محسوباً على فضل جوده
وفي دفتر الأرزاق صرت مقيدا
وإني مقيم بين بكر وألمع
إماماً خطيباً لا أفارق مسجدا
ولي راتب أضحى ثلاثين أصله
فأسقط الثلثان منه تعمدا
بلا سبب مني يصوغ لنقصه
ولا خلل ما في الوظيفة قد بدا
ولم يك هذا قائماً بكفايتي
ولا نصفها لا والذي يبسط اليدا
وحاشاك أن ترضى يا أمير بلادنا
بغيم بني الحفظي إذا كنت مسندا
فها عرض حالي نحو بابك واقف
وقد جئت مضطراً لعدلك قاصداً
ومستعطفاً مسترحماً من جنابكم
إعادة تقريري الأصيل كما بدا
وتنظر أطفالاً صغاراً ربيتهم
ثمانية أسعى عليهم مجاهداً
إذا ما رأيت اليوم أحوالهم ترى
معيشتهم ضنكاً مساءً ومغتدى
وما ذاك إلا من تنقص راتبي
وليس لهم قوت سواه مسددا
وها أصل تقريري إليك موجها
يصدق قولي مثبتاً ومؤكدا
وأسأل ربي لأن يثبت ديننا
علينا ويهدينا الصراط كما هدى
ويحفظكم في ليلكم ونهاركم
ويكفيكموا من كل سوء ومن ردى
وصلى إلهي كل وقت وساعة
على المصطفى المختار ما كوكب بدا
وآل وصحب كل ما قال قائل
أيا خالد مازال أمرك خالدا
وأخيراً برق الأمير للمرحوم عبد العزيز وصدر الأمر الكريم أن يكون راتب المرحوم طاهر بن عبد الخالق الحفظي مائة ريال شهرياً وتقرر ذلك وعاد إلى وطنه مسروراً.
وقد تم نقل هذه القصيدة نقلاً من كتابة أخرى لمحب جزاه الله خيراً والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.